حذر مقالًا كُتب مؤخرًا، من مواجهة البلاد انهيارًا اقتصاديًا وشيكًا، على عكس حقيقة البيانات الاقتصادية التي تُشير إلى أن الإصلاحات وضعت مصر بالفعل على طريق التنمية.
ألقي مقال يحيى حامد، في مجلة فورين بوليس، في وقت سابق من هذا الشهر نظرة خاطئة على الاقتصاد المصري، حيث أن حامد، الذي شغل منصب وزير الاستثمار في حكومة محمد مرسي، التي قادت مصر بين عامي 2012 و 2013، يشير ضمنيًا إلى أن المستثمرين الدوليين على غير معرفة وبدون دراسة ضخوا مليارات الدولارات في أسواق الأسهم والدخل الثابت في البلاد – وأن الحكومة تسيء إدارة الاقتصاد رغم انخفاض المخاطر الدولية في مصر، وتراجع تكلفة مبادلة مخاطر الائتمان، إلى ما يقرب من نصف مستوياتها عندما تم عزله من منصبه كوزيرًاللاستثمار.
استمر المقال، الذى تضمن إنتقادات معقولة إلى حد ما لمستويات الديون المرتفعة في مصر وارتفاع مستويات الفقر بعد الإصلاحات الاقتصادية الأخيرة، فى رسم رؤية غير واقعية وغير عادلة للتحديات الاقتصادية في البلاد، لكن من المدهش بالنسبة لي، سماع أن مصر على وشك الانهيار، كمواطن يعيش فى مصر ويربي أطفاله فيها.
حذر «حامد» بطريقة مسرحية من أن مصر تُبالغ في تقدير دخلها بالاقتراض المفرط وأن المجتمع الدولي سيواجه طوفانًا من المهاجرين المصريين على شواطئ أوروبا فى المستقبل القريب.
ومن المفارقات أنه ينبه القراء إلى ارتفاع العجز الكلي فى الموازنة، والذي يقل الآن بمقدار 300 نقطة أساس على أقل تقدير عما كان عليه عندما كان وزيرًا – وذلك عند احتساب العجز كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي.
ويوجه «حامد» اللوم للحكومة الحالية على استخدام سياسات مالية تقشفية للسيطرة عليه، رغم أنني لست من مُحبي التقشف المالي الشديد في بلد مثل مصر، حيث يستحوذ الطلب المحلي على حصة الأسد من الناتج المحلي الإجمالي، لكن «حامد» استخدم منهجية عليها تساؤلات عدة لدعم أطروحته، إذ أن تدخل الحكومة وسياسة سعر الفائدة لا يختلطان، وهناك قضايا عدة خطيرة يُمكن للمصريين إلقاء اللوم فيها على الحكومة ، لكن من الحماقة إلقاء اللوم على الحكومة بسبب تكاليف الفائدة المرتفعة المؤقتة، حيث أن أسعار الفائدة من اختصاص البنوك المركزية في كل مكان، ومن الصعب للغاية توجيه اللوم إلى الحكومة التي حققت أهدافها المالية بالكامل.
كما أن انتقاد تدابير التقشف، في بلد يعاني من اختلالات مالية هيكلية، وإلقاء اللوم على سياسات وضعها صندوق النقد الدولي لارتفاع مستويات الفقر بين المصريين كان من الممكن فهمه لو أنه جاء من اليسار المصري، الذي كان يقف بحق ضد التدابير التي اتخذتها الحكومة منذ عام 2016 للإصلاحات المالية العامة.
في الواقع، شهدت برامج الإصلاح الدولي لصندوق النقد الدولي العديد من الإخفاقات، ولم تضمن سياساتها النجاح أبدًا.
لكن المفاجيء هو أن النقد قادم من أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين اليمينية، التي لطالما روجت لنفسها فى الغرب كمناصر قوي للسوق الحرة والسياسات الصديقة للمستثمرين.
ومن المفارقة أن «حامد» نفسه كان وزيرًا في حكومة اقتصادية سابقة اقتربت بصورة كافية من صندوق النقد الدولي عام 2012، وكانت على وشك إبرام صفقة مع ممثليه لإصلاح ما كان في ذلك الوقت وضعًااقتصاديًا قاتمًا: نقص حاد في العملات الأجنبية، سوق سوداء ضخمة لتداول العملات، ونقص في إمدادات الطاقة والمنتجات الأساسية، وهروب رأس المال الأجنبي، وتراجع الاستثمار الذي أدى إلى نمو ضعيف، والركود، وارتفاع معدل البطالة، حتى أنه يمكن اعتبار الفترة بين 2012 و2013 أسوأ أزمة اقتصادية في مصر منذ الثلاثينيات.
ما لم يتمكن «حامد» من الإدعاء علنًا بأن _صندوق النقد الدولي اقترح على حكومة الإخوان برنامجًا مختلفًا عن السرد التاريخي الكلاسيكي لصندوق النقد الدولي من الانضباط المالي والتضييق النقدي – أو أن حكومته كانت مستعدة لتخفيض العجز الضخم فى الحساب الجاري والموازنة العامة دون زيادة إيرادات الضرائب، وترشيد الدعم، وتعويم العملة_ فلن تبقى مقالتُه أكثر من مجرد محاولة مُهذبة لوضع سياسي يسعى إلى تشويش نجاحات الحكومة المالية الحالية، بدلاً من تحليل جدي للظروف المالية والاقتصادية في مصر.
مقال «حامد» هو محاولة مهذبة لوضع سياسي يسعى إلى تعكير صفو النجاحات المالية الحالية للحكومة ، بدلاً من تقديم تحليل جدي للظروف المالية والاقتصادية لمصر.
لقد راكمت مصر بالفعل الديون الخارجية في العامين الماضيين، وزادت ديونها العامة، لكن هذا ليس سوى جانب واحد من القصة، ولكن قبل الوصول إلى الإستنتاج المُذهل بأن الاقتصاد ينهار، يجب على المرءأولًا مُقارنة نمو الدين بنمو الناتج المحلي الإجمالي، وتحليل أساسيات ميزان المدفوعات والمصادر المُستدامة للعملات الأجنبية، ودراسة تكلفة خدمة الدين الخارجي.
يستغرق الحصول على الإجابة عن هذه الأسئلة بضع دقائق فقط من خلال مقارنة مستويات الدين المحلي والخارجي بالناتج المحلي الإجمالي في الأسواق الناشئة والمتقدمة على حد سواء.
الاقتصاد المصري ينهار فقط إذا كان تعريف الانهيار الاقتصادي هو تمكن الدولة من خفض عجز حسابها الجاري من ما يزيد على 5% من الناتج المحلي الإجمالي إلى دون 2.5% – عبر مصادر دخل مستدامة باستثناء المنح – وخفض عجز ميزانيتها إلى النصف تقريبًا من 16.5% في عام 2013 إلى 8.5% من الناتج المحلي الإجمالي في حين نما الاقتصاد 5.5% العام المالي الماضي مُقابل 2.2% عام 2013، وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي ووزارة المالية، وبكل الطرق التحليلية لهذه الأرقام، فهذا يُعد إنتعاش اقتصادي قوي.
في الواقع ، وفقا لبيانات البنك الدولي وشبكة البيانات العالمية «CEIC»،فإن الدين الخارجي لمصر يمثل 32% من الناتج المحلي الإجمالي وهو معدل أقل بكثير من متوسط الأسواق الناشئة عند 42%، ومن معظم الأقران فى الأسواق الناشئة، مثل تركيا 58%، وماليزيا 63%، وشيلي 62%، وجنوب إفريقيا 48%، والمغرب 44%، وفيتنام 43%والمكسيك 36%..
بغض النظر عن مؤشرات الاقتصاد الكلي، فإن هيكل الدين الخارجي لمصر هو العنصر الذى يجب الوقوف عليه، إذ أن أكثر ما يزيد عن 60% من ديون البلاد الخارجية البالغة حوالي 100 مليار دولار من مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومجلس التعاون الخليجي، تبلغ تكلفة فوائده أقل من نصف ما تدفعه مصر اليوم عن سندات اليورو.
كما أن تكلفة خدمة الدين الخارجي -الفوائد والأقساط- التي يجب على مصر سدادها خلال العامين المقبلين تبلغ نحو 15 مليار دولار وفقًا للبنك المركزي المصري باستثناء ودائع دول مجلس التعاون الخليجي التي تم تجديدها مؤخرًا، أي ما يعادل 70% من صافي تدفقات المحافظالتي نجحت مصر فى اجتذابها لأسواقها المالية منذ بدء برنامج الإصلاح الاقتصادي.
كتب: أحمد شمس
رئيس قطاع البحوث الاقتصادية بالمجموعة المالية «هيرميس»