«حان الوقت لمكافئة العمل الشاق فى أمريكا – وليست الثروة».هذا التصريح من قبل الرئيس جو بايدن، هو ربما التعبير الأكثر إيجازا عن خطط السياسة الاقتصادية للحكومة الجديدة.ويريد بايدن، زيادة الحد الأدنى للدخل القومى، ورفع الضرائب على الشركات، وأن يبدأ فى قلب ميزان القوى بين العمالة ورأس المال.
وكانت حصة العمالة من الدخل القومى – قدر الناتج المحلى الإجمالى المدفوع للعاملين فى صورة أجور وإعانات – آخذة فى الانخفاض فى الولايات المتحدة والعديد من البلدان المتقدمة (SE:2330) الأخرى منذ الثمانينات. وكان الانخفاض منذ عام 2000 حادا بشكل خاص، مما أدى إلى ركود الأجور وتزايد عدم المساواة وفقدان القوة الشرائية للمستهلكين.
ولكن، بعدة طرق، يعد الوقت الحالى صعبا على حكومة بايدن لتحويل الأمور للأفضل.وفى ظل ارتفاع معدل البطالة نتيجة الوباء، لا يوجد ضغط صعودى طبيعى على الأجور، ويجادل بعض الاقتصاديين أن التدخل لرفع الحد للأجور سيحبط التوظيف.
وعلاوة على ذلك، ستسعى العديد من الشركات الناجية من الوباء إلى خفض التكاليف من خلال استبدال العمالة بالتكنولوجيا. وبالتأكيد تعد الأتمتة واحدة من العوامل الرئيسية وراء التراجع متعدد العقود فى حصة العمالة من الناتج المحلى الإجمالى، وفقا لدراسة أجريت عام 2019 من قبل مركز ماكنزى العالمى للأبحاث.
وعلاوة على ذلك، ثمة ثلاثة أسباب كبيرة تفسر لم قد لا نزال عند نقطة تحول رئيسية فى الفجوة بين رأس المال والعمالة فى الولايات المتحدة؟
الأول.. فعلت حكومة بايدن قانون الإنتاج الدفاعى لإجبار القطاع الخاص على تسريع عملية إنتاج الأمصال وتوزيعها، وهو ما سيخلق فورا مزيدا من الطلب على الوظائف، وهو اتجاه يمكن أن يستمر بعد الوباء نظرا لأن هناك دعوات من الحزبين لتعزيز سلاسل الإمداد المحلية لمنتجات الأدوية الأخرى وللمواد الغذائية.
والثانى.. هناك اتجاه متزايد نحو تشكيل اتحادات العمال خاصة فى قطاعات النمو المرتفع مثل التكنولوجيا.ورغم أنه لا ينبغى المبالغة فى تأثير تشكيل عدة آلاف من العاملين فى «جوجل» فى كاليفورنيا لنقابة – فهم لا يزالون يشكلون نسبة صغيرة من القوة العاملة البالغة 100 ألف عامل فى الشركة – فإنها بمثابة علامة فارقة ثقافيا.
ويجرى نشطاء العمل حاليا، مناقشات مشابهة مع شركات سيليكون فاللى الأخرى، وسيصوت العاملون فى أمازون (NASDAQ:AMZN) على تشكيل نقابة فى فبراير.وفى الوقت نفسه، تحث منظمات العمل الدولية مثل الاتحاد الدولى لنقابات العمال الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، لتضمين أحكام حقوق العمال فى أى تنظيمات جديدة خاصة بشركات التكنولوجيا الكبرى.
ويستخدم بايدن بالفعل سلطاته كرئيس، للإصرار على أن تقوم الشركات الخاصة التى تمنح عقودا فيدرالية، بتوظيف عمالة بأجور أفضل وهو أمر تشيد به النقابات.
وستتوسع قوة العمالة المنظمة على الأرجح، ويعتقد بعض الساسة أنها ستلعب دورا فى مساعدة الأفراد – وليس فقط العاملين وإنما المستهلكين أيضا – على السيطرة مجددا على قيمة البيانات الشخصية من خلال تشكيل «نقابات بيانات».وهذه النقابات ستعمل كجهات إشراف مستقلة على البيانات وتحقق قيمتها التجارية للأعضاء.
ورغم أن بيانات مجموعة صغيرة من الأفراد لا تساوى الكثير، فإن مجموعات البيانات ومزيد من المشاركة المتساوية للثروة الملموسة فى مثل هذه البيانات، يمكن أن تغير ميزان القوى بين الشركات والأفراد.
والثالث.. تتغير أخيرا الاتجاهات السكانية العالمية التى أضرت بالعمالة، وبالنسبة للعمالة فى الولايات المتحدة، قد تكون تلك أكبر رياح مواتية على الإطلاق.وكما بحث تشارلز جودهارت ومانوج برادهان فى كتابهما «التغير الديموجرافى الكبير»، فإن توازن القوى بين العمالة ورأس المال يتعلق بالكامل بالعرض والطلب.
وعلى مدار العقود الأربعة الماضى خلق الدخول الكامل لجيل طفرة المواليد للقوة العاملة، بما فى ذلك حصة متزايدة من النساء بجانب بروز الصين والأسواق الناشئة الأخرى، أكبر صدمة معروض إيجابية من العمالة على الإطلاق، ونظرا لذلك كان ضعف العمالة نسبة لرأس المال حتميا.
والآن، انتهت تقريبا جميع الاتجاهات التى كبحت الأجور على مدار 40 عاما، وتتراجع نسب المواليد فى أغلب الدول، وقادت التحولات الجيوسياسية والاقتصادية بعض الدول مثل الصين لخلق سلاسل توريد أكثر استقلالا، ويشيخ السكان من فترة طفرة المواليد، وكل ذلك يعنى أن الرياح المعاكسة الانكماشية للعمالة آخذة فى التناقص أخيرا.
وعلاوة على ذلك، ستجعل شيخوخة السكان، قطاع الرعاية الصحية من بين أكبر القطاعات توظيفا، وبينما يمكن الاستعانة بمصادر خارجية فى وظائف التشخيص عن بعد – ما يسمى بـ«الطب عن بعد» – من الدول ذات الأجور المنخفضة مثل الهند، فإن معظم وظائف الرعاية الصحية هى وظائف اتصال مباشر لا يمكن إرسالها إلى الخارج، ولا عجب فى أن 6 من أصل 10 وظائف يتوقع مكتب إحصاءات العمل أن تنمو بأسرع وتيرة فى العقد المقبل هى فى خدمات التمريض والعلاج والرعاية.
وهذه الوظائف تعد جزءا مما وصفته حكومة بايدن الجديدة «اقتصاد الرعاية» – والذى كان أحد الدعائم الرئيسية للحملة الانتخابية.واقترح الرئيس تعزيز الرعاية الصحية ليس لكبار السن فحسب وإنما رعاية الأطفال نيابة عن الأسر، وهى مهمة أخرى لا يمكن نقلها للخارج.وأشار أن الإنفاق يمكن تمويله من خلال سد الثغرات فى الصفقات العقارية.
وبالتأكيد، ستضر تكاليف العمالة الأعلى بأرباح الشركات، ولكن فى الدول الغنية – حيث يشكل الإنفاق الاستهلاكى أغلب الاقتصاد – تستفيد الشركات أيضا، وبالتالى، فإن هناك كثيرا من المكاسب من إعادة التوازن بين العمالة ورأس المال.
رنا فوروهار، كاتبة مقالات رأى ومحرر مشارك فى صحيفة “فاينانشيال تايمز”
المصدر: صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية