من إريك كينكت
الدوحة (رويترز) - في المنطقة الصناعية التي يكسو جنباتها الغبار جنوب الدوحة حيث تقبع مراكز صيانة السيارات، تقف سيارة زرقاء من طراز هيونداي سنتافي الرياضية منذ الخامس من يونيو حزيران أوقعها حظها العثر في تحطم مقدمتها ذاك اليوم الذي شهد إعلان أربع دول عربية مقاطعة قطر.
السيارة الزرقاء وقعت أسيرة خطأ اعتماد الدولة الصغيرة على ميناء جبل علي في الجارة دبي، الوجهة الأولى لشركات توزيع قطع غيار السيارات في أنحاء المنطقة، وهو الأمر الذي لم يعد خيارا للدوحة منذ أن قطع جيرانها العلاقات معها.
وتتهم الإمارات ومصر والبحرين والسعودية قطر بدعم الإرهاب، وهو اتهام تنفيه الدوحة.
وبعد قطع خطوط التجارة التقليدية برا وبحرا وجوا، كان لزاما على الدوحة أن تتحرك فورا لإيجاد موردين جدد وتوفير بدائل لجميع الواردات بداية من الحليب السعودي ووصولا إلى زيت المحركات الإماراتي.
كما كان لزاما عليها توفير بدائل لوجيستية شملت خطوطا بحرية وجوية جديدة واستخدام الموانئ القريبة في سلطنة عمان والكويت لإعادة التصدير.
حقق ذلك نجاحا بدرجة كبيرة. فالمقاطعة التي دخلت شهرها السادس هذا الأسبوع يكاد الشارع لا يلمسها في الحياة اليومية بعدما حلت منتجات الألبان التركية والخضروات الإيرانية محل السلع الغذائية العربية في المتاجر. والسلع متوافرة بشكل عام وبأسعار أعلى بهامش بسيط.
لكن السكان يقولون إن الاستثناء الوحيد هو قطع غيار السيارات.
وفي قطر حيث الهوس بالسيارات الفارهة التي تعد رمزا للمكانة الاجتماعية تسمع أزيز السيارات من طرز بنتلي وبي.إم.دبليو وهي تشق طريق الكورنيش ليلا. لكن البلد الذي كان وصول قطع غيار السيارات إليه لا يستغرق سوى أياما قادمة من دبي، بات ينتظر أسابيع أو شهورا لتقبع السيارات في مراكز الصيانة طويلا، وهو ما يخلق شعورا بالإحباط لدى أصحابها.
ووصف مدير أحد وكلاء السيارات الأمريكية في المنطقة الصناعية الموقف بأنه بائس طالبا عدم نشر اسمه. وأردف قائلا "لديك زبائن يأتون ويصيحون قائلين 'سيارتي هنا منذ شهرين أو ثلاثة أشهر' وأنت عاجز! ماذا تقول؟".
وعلى الرغم من تعافي معظم الواردات إلى قرب مستويات ما قبل الأزمة بعد انخفاض حاد بفعل المقاطعة، انخفضت واردات السيارات في سبتمبر أيلول 40 في المئة مقارنة مع مستواها قبل عام.
ويقول المدير إن محاولات تغيير مسار الطلبيات من جبل علي إلى سلطنة عمان والكويت لإعادة التصدير جرى التخلي عنها بسبب سداد الرسوم الجمركية مرتين وارتفاع تكاليف الشحن الإضافية ما بين 20 و40 في المئة.
وقال إن الوضع تحسن في الأسابيع الأخيرة بعد أن تحول الوكلاء إلى الاستيراد مباشرة جوا من الولايات المتحدة لكن العملية تستغرق أشهرا كي تتم.
*من يحتاجها؟
في عام 2016، جاء نحو 58 في المئة من واردات قطر من الدول الأربع المقاطعة سواء من إنتاج تلك الدول أو من الشحنات القادمة عبر موانئها وفقا لتقدير وزارة التخطيط التنموي والإحصاء.
ومن غير الممكن تحديد نصيب السيارات وقطع الغيار من تلك النسبة، لكن شركتين لقطع غيار السيارات في الدوحة تقولان إن نحو 80 بالمئة من إمداداتهما كانت تأتي عبر جبل علي في السابق.
وقادت المقاطعة إلى حملة تهدف لتقليص اعتماد البلاد على دول الخليج العربية المنافسة لها حتى إذا انتهت المقاطعة.
وجرى نقل مئات الأبقار جوا لتوسيع مزارع الألبان التي جرت العادة على أن تتنافس مع السعودية وزادت العلاقات التجارية مع تركيا وإيران وجرى تمرير مسودة قانون ستمنح المنتجين المحليين حماية تجارية أكبر، لكن هذا التشريع ما زال معلقا.
وقال تاجر قطع غيار سيارات يستورد منتجاته حاليا من فيتنام وكوريا الجنوبية "لن يشتري أحد من دبي حتى إذا فتحت أبوابها. لماذا نترك دبي تحقق أي ربح منا"؟
وفي مركز لإصلاح السيارات الفاخرة حيث تنتظر سيارة بورشه 911 تربو الإصلاح، قال المدير العام إن مركزه أسس في الأشهر الأخيرة علاقات للاستيراد المباشر مع موردين أوربيين ليخفض وقت التسليم في المتوسط إلى نحو ثلاثة أسابيع، وهو ما يزيد بنحو المثلين عن فترة ما قبل المقاطعة.
وقال إن المقاطعة "علمتنا جميعا كيف نستورد لأن علينا العثور على مصادر جديدة... حتى إذا ما انتهت القصة ورُفع الحصار، لن نعود إلى الشراء من دبي".
(تغطية إضافية من أندرو تورشيا - إعداد معتز محمد للنشرة العربية - تحرير إسلام يحيى)