بدأ العام العام جديد 2011 ولاتزال المنطقة الأوروببة تواجه أزمة الديون السيادية التي تمثل أحد أهم العقبات خلال العام الجاري، هذا بجانب محاولات تجنب السقوط في الركود من جديد، و هذا الأسبوع أظهرت فيه الأجندة العديد من البيانات الهامة المتعلقة بالمنطقة.
و على الرغم مما تشهده المنطقة من اضطرابات لدى بعض الأعضاء، إلا أن ذلك لم يمنع من إنضمام عضو جديد للمنطقة، ففي الأول من الشهر الجاري انضمت أستونيا إلى المنطقة بشكل رسمي ليصح عدد الدول التي تعمل بنظام العملة الموحدة "اليورو" سبعة عشر عضو، و الأمر الأكثر أهمية أن أستونيا تتمتع بمستوى عجز للموازنة بنسبة 1.7% وهو أقل من المستوى المعياري للاتحاد الأوروبي عند 3%. لكن في الوقت نفسه تواجه البلاد انكماش حاد بلغ 13.9% في عام 2009 فقط.
بينما أظهرت البيانات خلال هذا الأسبوع المنصرم تراجع وتيرة نمو منطقة اليورو في الربع الثالث إلى 0.3% من 0.4% للقراءة الأولية و انخفاضا من قراءة الربع الثاني التي كانت نمو بنسبة 1%.
تراجع وتيرة النمو في منطقة اليورو في النصف الثاني كان أمراً متوقعا خاصة مع إتجاه الحكومات إلى تطبيق سياسة خفض الإنفاق العام و التي كان لها الأثر على تراجع وتيرة النمو، وهو الأمر الذي أصبح يشكل ضغطا على البنك الأوروبي ليس فقط لدعم عملية التعافي لكن أيضا في مساهمته لحل معضلة أزمة الديون السيادية التي تواجه المنطقة.
ووفقا لتوقعات المفوضية الأوروبية التي أشارت إلى تراجع نمو اقتصادات المنطقة خلال العام الحالي ليصل إلى 1.5% بدلا 1.7%. وهذا بعكس وجود خلل بين وتيرة نمو الاقتصادات الأعضاء الستة عشر، ففي الوقت الذي تقود فيه ألمانيا دفة النمو للمنطقة نجد اقتصادات أخرى أخذت اتجاه معاكس،حيث توقعت أن تحقق ألمانيا نمو بنسبة 2.2% في عام 2011 و في فرنسا تتوقع بأن ينمو بنسبة 1.6% ويتبعه الاقتصاد الايطالي بتحقيق نمو بنسبة 1.1%.
بينما لايزال سوق العمل في حالة من الضعف، حيث سجل معدل البطالة عن شهر نوفمبر/تشرين ثان مستوى 10.1% ليأتي متوافقا مع التوقعات، ويظل عند أعلى مستوياته لأكثر من 12 عام. الأمر الذي يعكس استمرار عدم اقبال الشركات على التوظيف. لكن في الوقت نفسه لم يزداد سوق العمل ضعفا في ظل تحسن الأوضاع نسبيا في ألمانيا التي تعد قاطرة نمو اقتصاديات المنطقة، إذ بقي معدل البطالة دون تغير عند مستوى 7.5% في ديسمبر/كانون أول، لكن معدل التغير في البطالة ارتفع إلى 3 الآف مقارنة بالانخفاض السابق الذي سجله بمقدار 8 الآف.
على الجانب الآخر فإن مؤشر إعانات البطالة تراجع للمرة الأول في خمسة أعوام ليصل إلى 10.2 ألآف أو بنسبة 0.25%خلال نوفمبر/تشرين ثان في أسبانيا التي تستحوذ على أسوأ معدل بطالة في أوروبا، وهذا الانخفاض يعطي بعض التفاؤل بشأن إمكانية تراجع معدل البطالة في وقت لاحق و الذي سجل في أكتوبر/تشرين أول مستوى 20.7%. ووفقا لتوقعات المفوضية الأوروبية فإن المؤشر يتوقع له أن يسجل 19.8% في عام 2011 مرتفعا عن 19.7%لعام 2010.
وترى المفوضية الأوروبية أنه على الرغم من الاتجاه السائد المتعلق بخفض الانفاق العام و ما يترتب عليه من تقليص لسوق العمل إلا أن معدل البطالة قد يتحسن بشكل تدريجي في منطقة اليورو في عام 2011 و 2012 حيث قد يصل إلى مستوى 9%. وينتظر في وقت لاحق من هذا الأسبوع الاعلان عن معدل البطالة في منطقة اليورو و الذي يتوقع أن يسجل 10.1% في نوفمبر/تشرين ثان وهو أعلى مستوى منذ 12 عام.
ووسط كل ذلك فقد ارتفعت بيانات الثقة عن شهر ديسمبر/كانون الأول حيث جاءت بأفضل من التوقعات إذ سجل مؤشر الثقة بالاقتصاد مستوى 106.2 ليأتي بأعلى من القراءة السابقة لقيمة 105.3 بينما جاء بأعلى من التوقعات التي كانت تشير إلى 105.8. ومسجلا بذلك أفضل أداء منذ أكتوبر/تشرين أول 2007.
وكان مؤشر توقعات أسعار المستهلكين عن شهر ديسمبر/كانون الأول قد أظهر ارتفاع معدل التضخم إلى 2.2% متخطيا بذلك المستوى الآمن لاستقرار الأسعار لنسبة 2%، ومرتفعا عن القراءة السابقة لنسبة 1.9%. ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى ارتفاع أسعار الطاقة عالميا حيث سجل النفط مستوى 92.02$ للبرميل في ديسمبر/كانون أول.
على الرغم من ذلك إلا أن هذا الارتفاع لايشكل إزعاجا لدى البنك المركزي الأوروبي على العكس في بريطانيا، ويتوقع البنك المركزي الأوروبي أن يسجل التضخم مستوى 1.8% في عام 2011 و من ثم قد يتراجع إلى 1.5% في عام 2012.
و بالحديث عن آخر المستجدات بشأن أزمة الديون السيادية، فقد قام كلا من البرتغال و فرنسا وكذا ألمانيا بعملبات بيع لسندات و أذون خزانة من أجل الحصول على التمويل، و هذه تعد العملية الأولى خلال العام الجديد.
على الجانب الآخر أكدت الصين في بداية هذا العام على دعمها لعمليات شراء السندات السيادية الأوروبية، حيث أشارت إلى ثقتها في السوق المالي الأسباني ومن ثم ستواصل عمليات شراء السندات طويلة الأجل سواء في أسبانيا أو في دول أخرى من المنطقة.
و كون أن الصين تؤكد على مواصلتها الاشتراك في مزادات مستقبلية للديون طويلة الأجل الأوروبية يعكس مدى حرص الحكومة الصينية على انتهاج سياسات من شأنها أن تبقى على العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) عند مستويات لا تضر باليوان الصيني وذلك ضمن استراتيجية تنتهجها البلاد من أجل الابقاء على عملتها منخفضة وذلك في ظل أن الصين تحتفظ بأكبر إحتياطي نقدي على مستوى العالم.
أما في بريطانيا فقد كان أهم البيانات التي صدرت خلال هذا الأسبوع عن أداء القطاعات الرئيسية في شهر ديسمبر/كانون أول، و الذي أظهر عودة الاختلال بين وتيرة نمو كلا منهم، فالقطاع الصناعي سجل مستوى نمو 58.3 وهو أفضل أداء منذ عام 1994، في الوقت نفسه فإن قطاع الخدمات انكمش في شهر ديسمبر/كانون أول حيث انخفض إلى 49.7 من 53 للقراءة السابقة و جاء بأسوأ من التوقعات التي كانت تشير إلى 52.8، وبذلك ينكمش القطاع بعد أن استمر في تحقيق النمو منذ مايو/أيار من عام 2009.
السبب في ذلك يرجع إلى العديد من العوامل، ليس فقط بسبب ضعف سوق العمل أو ضعف وتيرة النمو الاقتصادي في البلاد، بل يرجع أيضا بشكل أساسي في ذلك الشهر إلى سوء الأحوال الجوية و التي شهدت فيها بريطانيا أسوأ انخفاض لدرجات الحرارة لم تشهده منذ أن تم بدء التسجيل بالبيانات من مئة عام.
و توجه الأنظار خلال الأسبوع القادم إلى قرارات كلا من البنك المركزي الأوروبي و البنك المركزي البريطاني.