بغداد، 2 يناير/كانون ثان (إفي): استقبل العراق العام الجديد 2013 بسلسلة من الازمات السياسية والامنية والاقتصادية، وسط مخاوف من ان يؤدي تفاقم هذه الازمات وعدم ايجاد الحلول الناجعة لها الى انفراط عقد حكومة الشرطة الوطنية التي يتزعمها رئيس الوزراء نوري المالكي، وهو ما قد يجر البلاد الى حرب طائفية وقومية لا تنتهي.
ولعل من ابرز الازمات التي تواجهها حكومة المالكي في عامها الجديد، هي الخلاف المتواصل مع الاكراد حول المناطق المتنازع عليها وما جره من تصعيد عسكري بين الجانبين، والتظاهرات التي تشهدها عدد من مدن البلاد وخصوصا السنية منها، للمطالبة باطلاق سراح الابرياء من السجناء والسجينات وتحقيق التوازن الوطني في دوائر ومؤسسات الدولة وتوفير الخدمات الاساسية للمواطنين.
وتصاعد الخلاف بين الاكراد وحكومة بغداد حول المناطق المتنازع عليها بين الجانبين على خلفية اعلان المالكي عن تشكيل قيادة عمليات دجلة للاشراف على الملف الامني في محافظات ديالى وصلاح الدين وكركوك في سبتمبر/أيلول الماضي، مما ادى بالنتيجة الى قيام الطرفين بتعزيز قواتهما في هذه المناطق.
وكانت الاشتباكات التي حدثت في منطقة الطوز/90 كم/ شرق مدينة تكريت، مركز محافظة صلاح الدين شمال بغداد بين قوة من البيشمركة (قوات الأمن) الكردية واخرى من الجيش العراقي والتي ادت الى مقتل مدني واصابة ستة اشخاص بجروح، بمثابة الشرارة التي اشعلت النار في الهشيم ونقلت الصراع الى واجهة الاحداث، لتبدأ الجهود السياسية من مختلف الاطراف العراقية لتطويق الازمة وايجاد حلول لها مناسبة لها.
واطلق اسامة النجيفي رئيس مجلس النواب العراقي بعد لقاءات عقدها مع المالكي و مسعود بارزاني رئيس اقليم كردستان شمالي العراق كل على حدة، مبادرة لجمع الطرفين على طاولة الحوار، حيث انطلقت اول الاجتماعات بينهما في بغداد، ونتج عنها اتفاق الطرفين على سحب القوات التي دفعها الى المناطق المتنازع عليها الى مواقعها قبل نشوب الازمة، ووقف الحملات الاعلامية ولغة التصعيد بينهما وتشكيل لجنة مشتركة لبحث الحلول الممكنة للازمة.
وفي اخر تطورات هذه الازمة، اعلنت وزارة البيشمركة في حكومة اقليم كردستان، في بيان لها نشر اليوم على موقع الاتحاد الوطني الكردستاني "ان اجتماعا عقد اليوم بين لجنتي العمل المشتركة لوفد وزارة البيشمركة لإقليم كردستان ووزارة الدفاع الاتحادية"، واصفا اجواء الاجتماع بـ"الايجابية".
وأضاف ان "وفد وزارة الدفاع الاتحادية قدم خلال الاجتماع برنامج عمل لوفد إقليم كردستان"، مشيرا الى انه من المقرر أن يصدر عن وفد إقليم كردستان جواب بعد دراسة مستفيضة لهذا البرنامج، وذلك في الاجتماع المقبل، المقرر أن يعقد بين الوفدين في 13 من الشهر الحالي في بغداد"، موضحا ان "هذه الاجتماعات ستستمر الى حين التوصل الى اتفاق نهائي".
يذكر ان وفدا من وزارة البيشمركة في حكومة اقليم كردستان، قد زار بغداد في 26 من الشهر الماضي واجتمع مع وفد من الحكومة المركزية.
وقال وزير الدفاع وكالة سعدون الدليمي في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير البيشمركة شيخ جعفر شيخ مصطفى عقب الاجتماع انه "تم التوصل الى اتفاق شامل بين الحكومتين على ادارة الملف الامني وازالة كل مظاهر التوتر في المناطق المتنازع عليها، وان وفدا من بغداد سيتوجه الى أربيل للتوقيع على الاتفاق النهائي".
وفضلا عن الخلاف حول المناطق المتنازع عليها تشهد الساحة العراقية حاليا ازمة سياسية اخرى تتمثل بخروج تظاهرات كبيرة في محافظات الانبار ونينوى وصلاح الدين وكركوك، تطالب باطلاق سراح السجينات من النساء والمعتقلين الابرياء الذين لم تثبت بحقهم اي اتهمات وتحقيق التوازن الوطني في مؤسسات الدولة ومعالجة ملفات الفساد وتقديم الخدمات الاساسية للمواطنين والغاء قانون المسألة والعدالة وقانون مكافحة الارهاب.
وانطلقت هذه المظاهرات عقب قيام قوة امنية باعتقال عدد من افراد حماية رافع العيساوي وزير المالية العراقي والقيادي في القائمة العراقية التي يتزعمها اياد علاوي رئيس الوزراء العراقي الاسبق، للمطالبة باطلاق سراحهم، الا انها اتسعت وارتفع سقف مطالبها امام عدم استجابة الحكومة لمطالب متظاهري الانبار، لتشمل مدن عراقية اخرى تقطنها غالبية سنية، تعتبر نفسها مهمشة سياسيا ومستهدفة من قبل الحكومة التي تديرها غالبية شيعية.
وفي هذه الاثناء جدد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي اعترافه بشرعية بعض مطالب المتظاهرين، محملا البرلمان مسؤولية تنفيذ بعضها وخاصة ما يتعلق بالغاء بعض القوانين، مؤكدا انه بدأ بتنفيذ البعض الاخر وخاصة ما يتعلق بالمعتقلين.
وقال المالكي في كلمة وجهها إلى الشعب العراقي ونشرت على موقع الحكومة العراقية "نتابع باهتمام بالغ ما يحدث في عدد من المحافظات التي تشهد تظاهرات تطالب بتحقيق عدد من المطالب التي نعتقد ان بعضها مطالب مشروعة إمتزجت بأخرى تتناقض جوهريا مع طبيعة النظام السياسي في البلاد الذي يجب ان نحتكم فيه جميعا الى الدستور والقانون".
واضاف المالكي "أن مجلس الوزراء فضلا عن رئيس الوزراء لا يملك الصلاحية الدستورية في الغاء القوانين التي يشرعها مجلس النواب وخصوصا قانون المساءلة والعدالة وقانون مكافحة الارهاب، كما ان قانون العفو العام لم يتم التصديق عليه في مجلس النواب حتى الان".
وحذر المالكي من توفير الفرصة لمن وصفهم أعداء العملية السياسية من التنظيمات المسلحة والجماعات الارهابية وازلام النظام السابق من اختراق التظاهرات ومحاولاتهم المكشوفة في ركوب الموجة بما سيؤدي الى اشاعة الفوضى والاضطرابات وتهديد الوحدة الوطنية والسلم الاهلي وجر العراق الى الاقتتال الطائفي.
ولفت إلى أنه تم تشكيل لجنة خاصة من عدد من علماء الدين وهيئة قضائية لمتابعة قضية السجينات، وقد باشرت اللجنة اعمالها منذ ثلاثة ايام وستجري اليوم لقاء مع رئيس مجلس القضاء الاعلى لحسم ملف السجينات بشكل كامل ليقول القضاء كلمة الفصل.
واكد المالكي ان الاجهزة الامنية تصرفت بقدر عال من المهنية والحيادية في توفير الحماية اللازمة للمتظاهرين والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة، لكنه استدرك "ان المسؤولية القانونية تحتم على القوات الامنية التصدي لكل من يحاول الاضرار بالمصالح العليا للشعب العراقي ويمس سيادته ووحدته، كما حذر من تسييس التظاهرات خدمة لأجندات خارجية وحسابات سياسية وفئوية ضيقة، داعيا القوى السياسية الوطنية التعاون للحفاظ على وحدة وسيادة العراق وتحقيق تطلعات الشعب العراقي في الحرية والعدالة والازدهار.
الى ذلك، أكد رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي ونائب رئيس الوزراء صالح المطلك، على ضرورة الاستجابة لمطالب المتظاهرين المشروعة.
وقال المكتب الاعلامي للمطلك في بيان صدر عنه، اليوم، إن "نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات صالح المطلك استقبل في مكتبه، أمس، رئيس البرلمان أسامة النجيفي، حيث بحثا آخر المستجدات على الساحة السياسية العراقية"، مبينا أن "وجهة نظر الجانبين تجاه مطالب المتظاهرين كانت متطابقة"، مشيرا إلى "إنهما شددا على أهمية الاستجابة لها بوصفها مطالب مشروعة وتمثل هموم أبناء الشعب العراقي".
واعتبر عزيز المياحي النائب عن الكتلة الوطنية البيضاء، ان تظاهرات الانبار والموصل تهدف لاسقاط العملية السياسية وجر البلاد الى حرب اهلية لضمان هيمنة دول اقليمية معروفة بمنهجها العدائي.
وقال المياحي في بيان صدر عن مكتبه، ان "الاوضاع السياسية في العراق تشهد خلال هذه الفترة حراكا وتصعيدا غير مسبوق ويمثل انعطافة خطيرة تهدد العملية السياسية والامنية , ومايزيدها خطورة هو تسخير جهات اعلامية معروفة باجنداتها لتوجيه تلك الاوضاع بشكل مدروس لخدمة اجندات اقليمية ".
واضاف ان "تظاهرات الانبار والموصل تعمل وبطريقة ذكية ومدروسة على اظهار مطالب تعتبر مشروعة في نفس الوقت الذي يتم تحريك مخططات وافكار مسمومة تمثل في حقيقتها الباطن التهديمي للوحدة الوطنية سواء من خلال ترديد الشعارات والخطابات الطائفية او رفع صور رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان او رئيس النظام السابق اضافة لاعلام اقليم كردستان وما يسمى بالجيش السوري الحر ".
ورأى المحلل السياسي ناظم العبيدي، ان تحذيرات المالكي التي اطلقها اليوم وتلويحه باستخدام القوة وما ورد على لسان النائب المياحي الذي ينتمي الى التحالف الوطني الذي يضم حلفاء المالكي، تعد بمثابة اعطاء الضوء الاخضراء للقوات الامنية بالتدخل لفض المظاهرات والاعتصامات بالقوة، وهو امر قد يجر البلاد الى صراعات طائفية لاتحمد عقباها.
واعتبر انه في ظل الظروف الحالية فإن امام المالكي ثلاثة خيارات احلاها مر، وهي الاستجابة لمطالب المتظاهرين او على الاقل الحد الادني الذي يضمن امكانية التفاهم معهم.
والثاني هو التوجه الاستخدام القوة لانهاء المظاهرات وهو خيار ينطوي على محاذير كثيرة يأتي في مقدمتها امكانية تأجيج الصراع الطائفي الذي عانت منه البلاد الامرين خلال السنوات القليلة الماضية.
والخيار الثالث هو الاستقالة من منصبه، وهو خيار وفقا للمعطيات الحالية لايمكن ان يلجأ اليه المالكي، حيث اعلن الكثير من قيادي حزب الدعوة الاسلامية الذي ينتمي اليه انهم يفضلون ترشيحه لفترة رئاسية ثالثة على الرغم من اعتراض الكثير من شركائهم في العملية السياسية.
يذكر ان الزعيم الشيعي مقتدى الصدر قد شن امس الثلاثاء هجوما عنيفا على رئيس الوزراء نوري المالكي متهما اياه "بالسعي للدكتاتورية وتهميش الاخرين واقصائهم "، معلنا تاييده للتظاهرات السلمية التي يقوم بها السنة في محافظة الانبار غربي البلاد.
وقال الصدر في مؤتمر صحفي عقده بمدينة النجف /160 كم/ جنوب بغداد مخاطبا المالكي "أين أنت من ملف حقوق الانسان، وما تتعرض له النساء من المعتقلات والمعتقلين من انتهاكات في الاعراض وحقوقهم الانسانية، وانت تحاول اقصاء الاخرين وتهيشمهم وتكبل ايديهم ".
واضاف " انت ساكت عن الفساد وسراق قوت الشعب وثرواته واعدتهم الى ذات الصفقات المشبوهة " منتقدا التمسك بالسلطة وبالكرسي والسعي لبناء الدكتاتورية، محذرا من قدوم الربيع العراقي قائلا "إن التظاهر هو من حق الشعب وقد حذرنا في وقت سابق من ان الربيع العربي قادم الى العراق، لكن لم يهتم أحد لها"، معلنا تاييده لمطالب اهالي الانبار. (إفي)