من كندة مكية
دمشق (رويترز) - إنها تداعيات الحروب من آثار نفسية واجتماعية واقتصادية تلقي بثقلها على الشعوب ويتلقفها المخرج والممثل السوري الشهير أيمن زيدان في عرض مسرحي في دمشق المنغمسة بالحرب منذ نحو أربع سنوات.
اختار زيدان نص الكاتب الألماني برتولت بريخت (1898-1956) "دائرة الطباشير" الذي كان قد كتبه في ثلاثينيات القرن العشرين ليلقي الضوء على الآثار الاجتماعية والعمرانية والاقتصادية والنفسية التي تتركها الحروب على الشعوب وليطرح وجهة نظر عن التغيير كتحول ممنهج ومدروس وليس عشوائيا.
واستطاع زيدان أن يعود بالجمهور السوري من خلال هذا العرض إلى أجواء العروض المسرحية الضخمة التي كانت تشهدها العاصمة دمشق قبل عام 2011 الذي بدأ فيه الصراع الحالي في سوريا.
وعطلت أربع سنوات من الحرب جميع جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في سوريا. وتسببت الحرب بمقتل أكثر من 190 ألف شخص وتشريد الملايين.
وتتناول المسرحية قصة ملكة كان لها طفل صغير وقامت الخادمة بتربيته ورعايته منذ صغره ولكن ثورة شعبية أطاحت بحكم الملك والملكة فهربا إلى خارج البلاد في حين ظلت الخادمة تسهر على رعاية الطفل ليل نهار. ثم عاد الملك والملكة بعد سنوات إلى حكم البلاد وتطالب الملكة بطفلها فترفض الخادمة.
وقدم العرض على مدى أكثر من ساعتين فكرته في لغة مسرحية راقية امتزجت بالبساطة ولقي استحسان شرائح المجتمع السوري.
وتمكن زيدان من إعادة المتعة المسرحية لجمهوره عبر الدمج بين السخرية والمأساة في أسلوب ملحمي حافظ قدر الإمكان على نهج بريخت في مسرحه في ثلاثينيات القرن الماضي.
ويناقش العرض صراع الطبقات الاجتماعية وكيف تتأثر بالتقلبات في ظل الحروب الكبرى مبتدئا بمادة فيلمية لحروب طاحنة ودمجها مع مجاميع الممثلين على الخشبة.
وقدم العرض على مدى عشرين يوما على مسرح الحمرا الذي غص بالجمهور طيلة ليالي العرض الذي تم تمديده عدة مرات.
ولم يجر زيدان من خلال "دائرة الطباشير" أي إسقاطات على الواقع وترك العرض مفتوحا على كل الأزمنة والأمكنة وهو يقول لرويترز "النص معروف للكاتب الألماني بريخت وهو من أصحاب الفكر التنويري وكان لديه موقف شديد ضد الحرب وبالتالي وجدت ان الظرف كان مناسبا ان نختار هذا النص دون ان نجري عليه اسقاطات مباشرة لانه فعلا يتحدث عن آثار ظلال الحرب" على الحياة والعلاقات بين الناس.
وأضاف "احببنا أن نتناول بهذه التجربة كم تترك هذه الظلال من خدوش وأوجاع في جسد المجتمع الانساني ورغبة منا بأن نصل إلى يوم نرى فيه وطنا يعم فيه السلام خاصة إذا كان وطنا مثل وطننا جدير بالسلام."
وقال إن المسرحية لم تخضع للرقابة وإن الذي ظهر على الخشبة من جمل هي من النص الاصلي وإن "كل ما قيل كتبه بريخت في هذه المسرحية... الأزمة جعلت هذه المحطات تضوي داخلنا. قد تكون المسرحية نفسها أضاءت اماكن اخرى في حالات السلم."
ومضى يقول "الإقبال يعطيني فكرة... اننا نحن السوريين نصر على الاستمرار في ممارسة ثقافة الحياة وسط كل تحديات الموت المحيطة بنا. الجمهور يأتي ومصر أن يعيش الحياة كما هي."
أما الممثل حسام الشاه فقال لرويترز "في الحرب من الواضح ان الناس بعد أربع سنوات ملت وتريد ان تعيش حياتها شبه طبيعية... على سبيل المثال انا واحد استثنائي لا اعيش في بيتي استثنائيا أتنقل بطرق غير الطرق التي كنت أتبعها بالحالة الطبيعية لكن انا قادر في ظل الاستثناءات أن أعمل شيئا طبيعيا في حياتي.. أن آتي لأشاهد عرضا مسرحيا لطيفا."
وأضاف "عودة الناس إلى المسرح لا أراها إلا ارتباطا بالأمل.. ارتباطا بالحياة.. ارتباطا بأن نبقى كما يجب ان نكون."
وقال المخرج السوري أحمد خضر رئيس دائرة مخرجي الإنتاج التلفزيوني إن المسرحية "عالية المستوى جدا. منذ زمن لم نر مثل هذا في سوريا. (هي) ذات أبعاد رمزية وواقعية بنفس الوقت. المثقفون يستطيعون ان يفهموها والناس البسطاء يستطيعون ان يشاهدوها ويفهموها. هي وصفت الواقع العربي وليس الواقع السوري بشكل عام وكانت قريبة جدا من المشاهد السوري."
والعرض الذي قدم باللغة العربية الفصحى تضمن حواره بعض المفردات السورية التي لمس بها المخرج مشاعر السوريين.
وأنتجت العرض مديرية المسارح والموسيقى التابعة لوزارة الثقافة وسعر تذكرة الدخول رمزي يبلغ مئة ليرة سورية أي ما يعادل نصف دولار أمريكي.
(إعداد ليلى بسام للنشرة العربية - تحرير سعد علي وعماد عمر)