من باباك دهقان بيشة
جنوبي الموصل (العراق) (رويترز) - بكى رجل الشرطة العراقي بجانب قافلته التي توقفت في قرية قرب جبهة القتال.
وعلى مدى عامين كان يبتهل إلى الله لأن يرى مرة أخرى أسرته التي تركها خلفه عندما داهم تنظيم الدولة الإسلامية قريته قرب الموصل بينما كان يؤدي واجبه في مكان آخر. والآن وبصفته عضوا في قوة الشرطة الوطنية فإنه يشارك بشكل شخصي في الهجوم للتصدي للمقاتلين في المنطقة.
وخلال الأسبوع الماضي علم من قوات أخرى متقدمة وصلت لقريته أنهم وصلوا بعد فوات الأوان لحماية عائلته التي أسرها مقاتلو التنظيم مع تراجعهم صوب الموصل لاستخدام أفرادها دروعا بشرية.
قال الشرطي وهو يغالب انفعاله "لا أستطيع أن أصف هذا الإحساس". وطلب الشرطي عدم نشر اسمه أو اسم قريته لحماية أسرته التي لا تزال في أيدي المقاتلين.
وقال "أخشى أنهم سيواصلون الانسحاب من قرية إلى أخرى حتى يصلوا إلى الموصل ثم سيختفون."
ومع تقدم القوات العراقية في الهجوم على آخر معقل رئيسي للدولة الإسلامية في البلاد ظهرت أدلة متزايدة على أن المقاتلين يأسرون المدنيين لاستخدامهم دروعا بشرية.
وقال محمود علي خلف (41 عاما) في قرية نانا وهي قرية انسحب منها المقاتلون أثناء هربهم صوب جبهات قتال على بعد 20 دقيقة بالسيارة "داعش حاولت أن تأخذنا دروعا بشرية لكننا هربنا.. كانوا يأخذوننا إلى الموصل حماية لهم."
وقال خلف إن التنظيم قتل شقيقه بالرصاص عندما حاول الهرب يوم الجمعة الماضية.
ومن المتوقع أن تكون معركة الموصل التي تقودها 50 ألفا من قوات الحكومة العراقية والمقاتلين الأكراد والشرطة والمتطوعين أكبر هجوم بري يشهده العراق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003.
وتقول الأمم المتحدة إن ما يصل إلى مليون من سكان المدينة قد يضطرون للنزوح بشكل مفاجئ الأمر الذي سيستلزم أكبر عملية إغاثة إنسانية في العالم.
وقال مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان يوم الثلاثاء إنه وردته تقارير أولية عن عشرات من عمليات القتل التي نفذها التنظيم على مدى الأسبوع المنصرم بالإضافة إلى معلومات جديد تؤكد الاعتقاد بأن التنظيم يستخدم الناس دروعا بشرية.
* أقوى مما نرى
استخدم مقاتلو التنظيم هذا الأسلوب مرارا في معارك أصغر ويمكن أن يصل نطاق استخدامه إلى مستويات غير مسبوقة في الموصل وهي مدينة أكبر بكثير من أي منطقة أخرى سيطر عليها المتشددون.
وخارج بلدة صف التوث أمر اللواء نجم الجبوري بإطلاق نيران من أسلحة آلية ثقيلة على مبنى خرساني صغير على تلة حيث كان رجاله يعتقدون أن قناصا يختبئ فيه. وحلقت صواريخ فوق التلة قبل أن تسقط على القرية نفسها محدثة دويا صاخبا.
ووفقا للجبوري قائد عمليات الموصل في الجيش العراقي فإن القتال حتى الآن ليس صعبا كما كان متوقعا لكنه يعتقد أن الأسوأ لم يأت بعد فيما تقترب قوات الحكومة من الموصل نفسها.
وقال الجبوري يوم ااثلاثاء إن القوات العراقية تتوقع أن يكون التنظيم أقوى مما يبدو عليه حالياً.
ومنذ بدء العملية في 17 أكتوبر تشرين الأول تمكنت قوات الجبوري من استعادة السيطرة على نحو 35 كيلومترا من الأراضي من الدولة الإسلامية لكن رغم أن التنظيم لم يستطع وقف التقدم فقد أثبت مقاتلوه أنهم لا يزالون يشكلون خطرا كبيرا. ودمر جنود الجبوري ما لا يقل عن 95 سيارة ملغومة.
ومن أسوأ مخاوف الأمم المتحدة هي أن يلجأ المقاتلون المتقهقرون إلى استخدام الأسلحة الكيماوية البدائية.
ويعيش خلف الرجل الذي هرب من الدولة الإسلامية قرب مصنع للكبريت أضرم مقاتلو الدولة الإسلامية النار فيه قبل انسحابهم. وظهرت على جميع أطفاله مشاكل تنفس بسبب الدخان السام. وارتدى أحد أبنائه قناعا طبيا اليوم لحمايته من الدخان.
وواصل مقاتلو التنظيم دفاعهم الشرس عن المداخل الجنوبية للمدينة يوم الجمعة وتصدوا للقوات العراقية هناك وأجبروا وحدة خاصة تابعة للجيش إلى الشرق من المدينة على وقف تقدمها السريع.
ولم يبد الجبوري قلقا بشأن المعارك المقبلة لكنه عبر عن مخاوفه بشأن محنة المدنيين الذين سيجدون أنفسهم في خضم القتال.
وقال إن التحدي الأكبر هو حماية المدنيين وهذا يزيد من صعوبة المهمة.
(إعداد ليليان وجدي للنشرة العربية- تحرير سيف الدين حمدان)