من باباك داغنببيشه
بيروت (رويترز) - كان من نتائج الهجوم الدامي الذي شنه مسلحان اسلاميان على مقر صحيفة شارلي ابدو الفرنسية رد فعل غير متوقع من جانب رجال الدين والمسؤولين في ايران إذ أنهم أدانوا الهجوم.
كان كثيرون في الغرب توقعوا رد فعل مختلفا تمام الاختلاف للهجوم الذي وقع قبل أسبوعين في باريس على الصحيفة الاسبوعية التي نشرت من قبل رسوما كاريكاتيرية تسيء للنبي محمد.
فمازالت حاضرة في أذهانهم تلك الفتوى التي أصدرها عام 1989 الزعيم الايراني الأعلى الراحل آية الله روح الله الخميني وأهدر بها دم المؤلف البريطاني سلمان رشدي إثر اتهامه بالاساءة للرسول في روايته "آيات شيطانية".
وبعد مرور 25 عاما يقول محللون سياسيون إنه يجب النظر إلى موقف ايران في ضوء التنافس الطائفي المرير في الشرق الاوسط بين الشيعة والسنة.
وقد أعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عن هجوم باريس. والتنظيم من التنظيمات الرئيسية في تيار التشدد السني إلى جانب تنظيم الدولة الاسلامية وتعتبرهما ايران تهديدا خطيرا لحلفائها في كل من سوريا والعراق ولبنان.
كما أن ايران تتحسس طريقها وهي تسعى للتوصل إلى اتفاق مع القوى الغربية ومن بينها فرنسا على برنامجها النووي يضع نهاية للعقوبات التي تعرقل اقتصادها.
وفي خطبة الجمعة في طهران بعد يومين من حادث اقتحام مقر شارلي ابدو في السابع من يناير كانون الثاني الذي قتل فيه المسلحان 12 شخصا ندد رجل الدين المحافظ أحمد خاتمي بالهجوم.
وقال خاتمي المحافظ "نحن ندين بشدة الهجوم الارهابي في فرنسا ونعتقد أن الاسلام لا يسمح بقتل الابرياء سواء في باريس أو سوريا أو العراق أو اليمن أو باكستان أو أفغانستان." وكان في العام الماضي أكد أن فتوى إهدار دم رشدي مازالت قائمة.
لكنه استغل الفرصة أيضا لانتقاد الدول الغربية التي تتهمها ايران بدعم بعض المتشددين السنة مثل فصائل المعارضة السورية.
ونقل تلفزيون برس عن خاتمي قوله "المسؤول عن عمليات القتل هذه دولارات أمريكية وجنيهات بريطانية ومبالغ باليورو الاوروبي. هؤلاء الارهابيون من صنعكم غذاهم التأييد السياسي منكم ومن حلفائكم."
ويقول محللون إن هذا الموقف ليس رسالة معزولة من أحد رجال الدين بمفرده بل إنها قادمة من القمة مباشرة.
وقال روزبه ميربراهيمي المحلل المتخصص في شؤون ايران في نيويورك "كان قرارا على مستوى عال للجمهورية الاسلامية. فموضوعات خطب الجمعة تصدر من مصدر واحد."
وأضاف "أئمة صلاة الجمعة ترسل لهم نقاط رئيسية لتحدد لهم القضايا التي سيناقشوها."
وقال كريم سجادبور المحلل المختص بشؤون ايران في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي إن هذا الموقف يعزز ببساطة الخط الذي انتهجته ايران في التنديد "بالارهاب" السني واتهام الغرب بالتحريض عليه.
ولم يتسن الاتصال بوزارة الخارجية الايرانية للتعقيب.
* رسائل متباينة
ويرجع العداء بين المذهبين إلى التنافس الاقليمي بين ايران والسعودية التي كان المذهب الوهابي المتشدد المطبق فيها ملهما لجماعات سنية متشددة مثل القاعدة والدولة الاسلامية وجبهة النصرة.
ويقاتل الحرس الثوري الايراني مقاتلين من السنة في العراق وسوريا. وقد قتل أحد كبار ضباط الحرس الثوري في القتال في العراق في أواخر ديسمبر كانون الاول كما قتل آخر في غارة يقال إن اسرائيل شنتها في سوريا في مطلع الاسبوع.
ويقول محللون إن إدانة هجوم باريس ارتبطت بموقف ايران الحساس في المفاوضات النووية الجارية مع القوى العالمية والتي استثمر فيها الرئيس حسن روحاني قدرا كبيرا من رأسماله السياسي.
وربما كانت طهران غير راغبة في التزام الصمت حتى لا يفهم أن في ذلك موافقة ضمنية على الهجمات.
وقال ميربراهيمي "السياسة الخارجية الحالية للجمهورية الاسلامية هي انهم يريدون دفع المفاوضات النووية والتوصل لنتيجة."
وأضاف "هم لا يريدون منح ذرائع لدول أخرى للربط بينهم وبين حادث معين. وبعد الهجوم كانت الادانة واسعة النطاق في مختلف أنحاء العالم وأظهروا تضامنا معها."
غير أن الحكومة كانت ترسل رسالة مختلفة داخل البلاد. فقد تم على وجه السرعة تفريق مجموعة من الصحفيين حاولوا التجمهر تأييدا لضحايا شارلي ابدو في اليوم التالي للهجوم.
وبعد أن نشرت شارلي ابدو رسما للرسول على غلافها عقب الهجوم تغير الجو بصورة ملحوظة.
فقد أغلقت صحيفة ماردوم امروز اليومية لنشرها صورة للممثل جورج كلوني وهو يضع شارة كتب عليها "أنا شارلي" في صفحتها الأولى. وانتقد متشددون دينيون الصحيفة الاصلاحية لعدم نشرها إدانة للرسوم المسيئة.
وخرج عدة مئات من المتظاهرين الاسلاميين في مظاهرة أمام السفارة الفرنسية هذا الاسبوع ورددوا هتاف "الموت لفرنسا" وطالبوا بطرد السفير الفرنسي.
وقد تكون للرسائل المتباينة من المسؤولين ورجال الدين في ايران عواقب دبلوماسية.
وقال سجادبور "الحكومة الايرانية منعت الصحفيين من تنظيم مسيرة تضامنا مع ضحايا مذبحة شارلي ابدو لكنها نظمت احتجاجات شملت حرق أعلام ضد السفارة الفرنسية."
وأضاف "هذا لم يقربهم من فريق التفاوض الفرنسي في المحادثات النووية الذي يتشكك بشدة في طبيعة النظام الايراني."