من باتريك ور
القاهرة (رويترز) - يمثل تفشي فيروس كورونا تهديدا متزايدا للاقتصاد المصري تزداد به الضغوط على السياحة والتجارة وصادرات الغاز بعد الإخفاق منذ فترة طويلة في تنشيط الاستثمار الخاص.
أشاد محللون بما نفذته مصر من إصلاحات مرتبطة ببرنامج قرض قيمته 12 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي جرى الاتفاق عليه في 2016 تضمن خفض قيمة العملة بنحو النصف وتقليل دعم أسعار الطاقة واستحداث ضريبة القيمة المضافة.
وتعني تلك التغييرات أن عددا كبيرا من سكان مصر البالغ عددهم نحو 100 مليون نسمة يجدون صعوبة في تدبير معيشتهم في وقت جاهدت فيه البلاد لدعم القطاع الخاص واستقطاب استثمارات كبيرة خارج صناعة الغاز.
ويقول المحللون إن انتشار الفيروس يجعل مصر التي تعتمد اعتمادا كبيرا على السياحة عرضة للخطر. كذلك فإن تراجع حركة التجارة العالمية قد يضر بإيرادات قناة السويس التي بلغت 5.7 مليار دولار في 2019.
وأعلنت مصر رصد 59 حالة إصابة بالفيروس من بينها 45 حالة على متن مركب سياحي في نهر النيل بمدينة الأقصر، التي تعد المعابد الفرعونية فيها من أهم عوامل الجذب السياحي. وتوفي سائح ألماني من المصابين بالمرض.
وقال اقتصاديون إن تداعيات الفيروس على الاقتصاد قد تكون كارثية في أسوأ الأحوال.
وقال أنجوس بلير رئيس مركز سيجنت البحثي لتوقعات الأعمال والاقتصاد "نحن في خضم حدث. إنه لا يزال في حالة تطور".
ومن المرجح أيضا ألا يكون لانخفاض أسعار النفط أثر يذكر، إذ أن قيمة واردات مصر من المواد البترولية البالغة 15.5 مليار دولار تعادل فعليا ما تحصل عليه من صادرات القطاع وهي من الغاز في الأساس.
غير أن بلير قال إن تحويلات العاملين في الخارج والتي تبلغ 25 مليار دولار سنويا قد تنخفض إذا خفضت دول الخليج، أكبر سوق للعمالة المصرية في الخارج، أحجام مشروعاتها.
وقد أوقفت بعض الدول الخليجية رحلاتها الجوية إلى مصر واشترطت على المصريين المسافرين إليها الحصول على شهادة تثبت خلوهم من كورونا. وحدث تزاحم شديد في مقر الحصول على الشهادات بالقاهرة يوم الأحد الماضي.
وفي يناير كانون الثاني، أشارت تقديرات الحكومة إلى أن معدل النمو سيبلغ نحو 5.9 في المئة في السنة المالية التي تنتهي في يونيو حزيران المقبل و6 في المئة في 2020-2021 وهي تقديرات تتفق مع تقديرات الاقتصاديين.
وتعول مصر على ارتفاع النمو لاستيعاب 700 ألف مصري يدخلون سوق العمل كل عام في السنوات الخمس المقبلة وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي.
ويقول بعض الاقتصاديين إن خلق وظائف كافية يتطلب أن يكون معدل النمو السنوي في حدود 7.5 في المئة.
وقال فاروق سوسة الاقتصادي الأول في جولدمان ساكس "يبدو أن المخاطر النزولية كبيرة جدا. ويبدو أن من المرجح جدا أننا بصدد الدخول في سيناريو نزولي".
وأضاف "إذا حسبت انخفاضا بنسبة 50 في المئة في حركة السياحة في شهور مارس وأبريل ومايو ويونيو (آذار ونيسان وأيار وحزيران) فمن المرجح أن يعادل الضرر الواقع على نمو الناتج المحلي الإجمالي نحو نقطتين مئويتين" في السنة المالية 2019-2020.
وتابع سوسة "لذا سينتهي بك الحال إلى نمو في حدود 3.5 في المئة".
* السياحة
قطاع السياحة هو أول القطاعات التي تشهد علامات على التراجع. وكان هذا القطاع قد انتعش بعد ما لحق به من أضرار شديدة من جراء الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بحكم حسني مبارك في 2011.
وقال كريم المنباوي رئيس شركة إمكو للسياحة في مصر إن أعداد السياح الذين ألغوا حجوزاتهم حتى نهاية يونيو حزيران محدودة لكن فترتي الخريف والشتاء قد يلحق بهما ضرر كبير.
وقال "نحن نتلقى عشرة في المئة مما كنا نتوقعه للربع الأول من العام المقبل". ويتم الحجز في العادة قبل ستة إلى ثمانية أشهر من موعد الرحلات.
زادت إيرادات السياحة إلى مستوى قياسي بلغ 12.57 مليار دولار في السنة المالية التي انتهت في يوليو تموز الماضي. واستمرت الإيرادات في الزيادة في الربع التالي يوليو تموز-سبتمبر أيلول إذ سجلت أحدث الأرقام المنشورة من البنك المركزي 4.19 مليار دولار محققة أفضل أداء فصلي لها على الإطلاق.
وقال تيموثي قلدس الباحث الزميل غير المقيم بمعهد التحرير "فشل المسؤولين المصريين في تعزيز نمو قطاع خاص قوي، وهو النمو الذي انكمش كل شهر تقريبا منذ صفقة الإنقاذ مع صندوق النقد الدولي، يزيد من هشاشة الاقتصاد المصري ومن الخطر على صحة الاقتصاد في هذه الفترة المقبلة".
وتابع "الاستهلاك ضعيف وكان عقبة أمام انتعاش القطاع الخاص قبل ذلك. وسيزيد فقدان الوظائف بسبب تراجع السياحة هذا الأمر. كما أن هبوط التحويلات يعني انخفاض القدرة الشرائية لكثير من الأسر المصرية أيضا".
ومن أبرز علامات الاستفهام ما إذا كان المستثمرون سيواصلون التدفق على مصر التي كانت أثيرة لدى المستثمرين في الأسواق الناشئة منذ صفقة صندوق النقد الدولي وذلك إذا ما تضررت مصادر الدخل الرئيسية لديها.
وقال ريتشارد هاوس المسؤول عن استثمارات الديون بالأسواق الناشئة في ألايانس جلوبال إنفستورز إن مصر كانت تلقى إقبالا من السوق وإن السياحة كانت موردا كبيرا للدولارات ولذا فإن أثر الفيروس سيكون كبيرا.
وأضاف "لكن عليك استثمار مالك في شيء ما ومصر لا تزال قصة مناسبة. ما يقلقني هو أن أستثمر المال في سندات بالعملة المحلية لأن هذه الأسواق الناشئة لا تتمتع بسيولة كبيرة".
(شارك في التغطية توم أرنولد وكارين ستروهيكر في لندن - إعداد منير البويطي للنشرة العربية - تحرير محمود سلامة)