من إلن فرنسيس
(رويترز) - تتنامى مشاعر الاستياء في صفوف قوات الأمن اللبنانية بعد أن تآكلت قيمة رواتبهم بفعل انهيار العملة، في وقت تتصاعد فيه الاضطرابات وتتفشي الجريمة.
وفي تعليقات صريحة على نحو غير معتاد، قال قائد الجيش العماد جوزيف عون إن تحذيراته من أن الضغط المادي والمعنوي على الجنود ربما يؤدي إلى "انفجار" لم تجد آذانا صاغية.
وانهارت الليرة وفقدت 85 في المئة من قيمتها منذ أواخر 2019، تحت وطأة أزمة مالية تمثل أكبر تهديد للاستقرار منذ الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990.
وقال عون أمس الاثنين "العسكريون يعانون ويجوعون مثل الشعب"
وتساءل "أتريدون جيشا أم لا؟ أتريدون مؤسسة قوية صامدة أم لا؟".
وتدنت قيمة الراتب الأساسي الشهري للجندي أو رجل الشرطة، من حوالي 800 دولار، لأقل من 120 دولارا في الوقت الراهن.
ودفعت تخفيضات الميزانية الجيش إلى استبعاد اللحوم من قائمة وجباته في العام الماضي.
وتبرعت السفارة الفرنسية الشهر الماضي بعبوات غذائية للجيش اللبناني الذي يحظى منذ زمن طويل بدعم الدول الغربية.
ويحذر بعض المسؤولين من أن قوات الأمن ستجد صعوبة في احتواء الاضطرابات.
وأكثر من نصف اللبنانيين فقراء الآن، مع انخفاض الأجور بشكل عام وارتفاع الأسعار وعدم وجود خطة إنقاذ حكومية في الأفق. وكانت هذه هي الحال حتى قبل أن تهبط العملة لمستوى قياسي الأسبوع الماضي في أعقاب شهور من الشلل السياسي.
نفى الجيش وقائده ووزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال تقارير وسائل الإعلام المحلية في الآونة الأخيرة عن أن الصعوبات الاقتصادية دفعت جنودا إلى الهرب من الخدمة.
لكن ثلاثة مصادر أمنية قالت لرويترز إن تصاعد الضغوط على العسكريين من الرتب الدنيا يثير بالفعل المخاوف من فرار الجنود.
قال أحد أفراد الأمن، طالبا عدم كشف هويته، إنه يريد المغادرة بعد سنوات طويلة في الخدمة لأنه لم يعد قادرا على دفع الإيجار. أضاف أنه يعرف ثلاثة آخرين فروا من الخدمة، وهو عمل يعاقب عليه القانون، معربا عن مخاوفه من أن القادة العسكريين سيرفضون إذا قدم طلبا للرحيل.
وقال "إذا ما زبط آخر شي بدي التجئ لقرار الفرار و أهرب"، مضيفا أنه كان يستطيع شراء كل ما يحتاجه أطفاله، لكنه لم يعد قادرا الآن على شيء سوى شراء بعض سلع البقالة.
قال مصدر أمني آخر إن حالات الفرار من الجيش لا تزال في حدود الأرقام المعتادة قبل الأزمة، إلا أن هناك خططا لزيادة المساعدات بهدف تجنب حدوث زيادة.
وأضاف "عم نشعر بالخنقة بس عم نصمد".
ومضى يقول إن الشعور بالواجب الوطني إضافة إلى تضاؤل فرص العمل في جميع أنحاء لبنان ساعدا في منع حدوث اضطرابات في صفوف القوات، لكنه حذر من دفعهم إلى حافة الهاوية.
*الخوف من الجريمة
ومن المتوقع زيادة الاضطرابات في لبنان في ظل ما يعيشه من توتر. فقد أحرق محتجون الإطارات وأغلقوا الطرق الرئيسية منذ انخفاض الليرة إلى أدنى مستوى لها.
وبعد يوم واحد من طلب الرئيس ميشال عون من القوات فتح الطرق، لا يزال محتجون يسدون الطرق السريعة المؤدية إلى خارج بيروت يوم الثلاثاء.
وقال مصدر أمني إن الانهيار الاقتصادي أفضى إلى زيادة في جرائم السطو مع تزايد أعداد محاولات سرقة الطعام أو حليب الأطفال أو الأدوية. وأشار إلى حدوث زيادة في جرائم توقيف السيارات وسرقتها تحت تهديد السلاح.
في 2020، قفزت جرائم القتل 91 بالمئة مقارنة بالسنة السابقة لها حسبما ذكرت شركة (الدولية للمعلومات) للأبحاث استنادا لبيانات الشرطة. وارتفعت جرائم السرقة بنسبة 57 في المئة وبلغت سرقات السيارات أعلى مستوى في تسع سنوات.
لم يرد متحدث باسم الشرطة على طلب للتعليق.
وقالت جمعية "يازا" الخيرية للسلامة على الطرق إن حوالي 10 آلاف من أغطية بالوعات الصرف الصحي اختفت في بيروت، إذ يبيع اللصوص الأغطية المصنوعة من الحديد الزهر بسعر 100 دولار للواحدة، وهو مبلغ يفوق الحد الأدنى للأجور في لبنان.
دفعت مخاوف السرقات الكثيرين إلى توخي الحذر، وعلى سبيل المثال تجنب استخدام ماكينات الصراف الآلي ليلا. وقال ثمانية، من بينهم مصمم ومهندس، إن هذا الوضع دفعهم لشراء مسدس.
وقال خضر عثمان وهو صاحب متجر "ما عندي مصاري لأشتري سلاح لو عندي كنت أشتريته ورخصته وخليته بالمحل... اليوم ما في أمن.. الدولة ملبكة (في فوضى)".
(تغطية إضافية من علاء كنعان وماريا سمردجيان وليلى بسام-إعداد أيمن سعد مسلم للنشرة العربية - تحرير علي خفاجي)