من استيل شيربون
(رويترز) - من المنتظر أن يواجه تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرمته الحكومة الإثيوبية وقوات إقليم تيجراي شمال البلاد صعوبات جمة بينما يحتاج تحقيق سلام دائم إلى تسوية منازعات شائكة بشأن السياسة والأراضي.
وأسفرت الحرب بين الجيش الاتحادي الإثيوبي وقوات تيجراي على مدى عامين عن دمار كارثي، ومقتل الآلاف، ونزوح الملايين عن ديارهم، وتجويع مدن وقرى في أنحاء الإقليم.
ويعكس اتفاق الهدنة، الذي وقعه الطرفان يوم الأربعاء بعد أسبوع واحد فقط من بدء محادثات السلام الرسمية في بريتوريا عاصمة جنوب أفريقيا، الضغوط الكبيرة على الجانبين.
وعندما بدأت المحادثات في 25 أكتوبر تشرين الأول كان الجيش الاتحادي قد سيطر لتوه على عدد من المدن الكبيرة في تيجراي، وهو ما حمس قيادة تيجراي على إبرام الاتفاق قبل خسارة المزيد من الأراضي.
وفي الوقت ذاته، تعرضت الحكومة لضغط أمريكي مكثف لإنهاء الحرب في وقت يحتاج فيه الاقتصاد الإثيوبي إلى مساعدة مالية عاجلة بعدما تضرر جراء تكلفة الحرب ودمارها بالإضافة إلى أسوأ موجة جفاف يشهدها القرن الأفريقي في 40 عاما.
وقال ألان بوزويل مدير إدارة المشروعات المعني بشؤون القرن الأفريقي بمجموعة الأزمات الدولية "تتماشى الهدنة إلى حد كبير مع شروط الحكومة وتعكس الضغوط الكبيرة التي تعرض لها إقليم تيجراي".
وإثيوبيا هي ثاني أكبر دولة أفريقية من حيث عدد السكان حيث يبلغ تعدادها نحو 120 مليون نسمه منهم سبعة ملايين يقطنون إقليم تيجراي.
وقدم الجانبان تنازلات كبيرة في سبيل وقف إطلاق النار. فقد قبلت قوات تيجراي بخطة لنزع السلاح لطالما رفضتها. وتراجع الحزب السياسي التابع للجبهة الشعبية لتحرير تيجراي عن دعواه بأنه الحكومة المنتخبة للإقليم، وهي إحدى النزاعات الرئيسية المتسببة في الصراع إذ لم تقر الحكومة الاتحادية بقانونية أحدث اقتراع أجري في الإقليم.
ووافقت الحكومة من جانبها على وقف الحملة العسكرية الواسعة في وقت كان فيه جنودها يحققون مكاسب ملموسة ويبدو أن لهم اليد الطولى.
* خلافات تلوح في الأفق
وقال بوزويل إن تنفيذ اتفاق الهدنة سيكون شائكا إذ أن الترتيب الزمني لعملية نزع السلاح يكتنفه الغموض ومن المرجح أن يثير ذلك خلافات.
وأضاف "من الواضح أن الجدول الزمني الطموح لنزع السلاح من قوات تيجراي هو نقطة خلاف وشيكة ستضع التزام الطرفين بالسلام موضع الاختبار".
وتوجد نقطة شائكة أخرى هي دور القوات الإريترية التي كانت تقاتل في تيجراي في صفوف الحكومة الإثيوبية عندما بدأت محادثات السلام.
ولم تشارك الحكومة الإريترية الاستبدادية في المحادثات ولم يصدر عنها تعليق بشان احتمالات سحب قواتها والتزامها باتفاق وقف إطلاق النار.
وقال وزير الخارجية الإريتري عثمان صالح لرويترز يوم الخميس إنه ليس لديه تعليق على الفور على الاتفاق لأنه تلقى لتوه الوثائق.
وقال بوزويل "لم يرد ذكر إريتريا في الاتفاق، لكن يبدو أن بعض البنود أريد بها طمأنة تيجراي بأن إريتريا ستنسحب". واستشهد بالتزام الحكومة بتأمين حدود إثيوبيا ضد "التوغلات الأجنبية".
وذكر البيان المشترك للحكومة وجبهة تحرير تيجراي، أن الطرفين اتفقا على تنفيذ "إطار عمل سياسة للعدالة الانتقالية لضمان المساءلة والحقيقة والمصالحة وتضميد الجراح"، دون توضيح كيف سيتحقق هذا في الممارسة العملية.
ووثقت هيئات من الأمم المتحدة ولجنة حقوق الإنسان التي عينتها الدولة في إثيوبيا وجماعات إغاثة مستقلة ووسائل إعلام من بينها رويترز انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها جميع الأطراف والتي تضمنت القتل خارج نطاق القانون والاغتصاب والنهب وإخراج الناس من ديارهم. ونفت جميع الأطراف هذه المزاعم.
وقالت موليا موانانياندا، مديرة مكتب منظمة العفو الدولية في شرق وجنوب أفريقيا "لا يقدم الاتفاق حاليا خارطة طريق واضحة عن كيفية إجراء المساءلة عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وتتغاضى عن الحصانة المتفشية في البلاد، مما قد يؤدي إلى تكرار الانتهاكات".
*المظالم القديمة
تمتد جذور الحرب إلى المظالم القديمة بين النخب السياسية في تيجراي والمناطق الأخرى والتي تراكمت على مدى عقود من الاضطرابات وتغيير نظام الحكم بالعنف والنزاعات على الأرض بين المناطق والفترات الطويلة من الحكم الاستبدادي.
وأنهى صعود رئيس الوزراء أبي أحمد إلى السلطة عام 2018 نحو ثلاثة عقود من هيمنة الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي على الحكومة المركزية لإثيوبيا. وكان أبي أحمد قد اتهم الجبهة من قبل بالسعي إلى إعادة تأكيد سلطتها على البلاد.
واتهمته الجبهة بفرض الطابع المركزي في السلطة على حساب الأقاليم وقمع التيجراي. ورفض كل طرف رواية الطرف الآخر.
ومما يضاف إلى الصورة المعقدة، أن هناك نزاعات على الأراضي بين تيجراي ومنطقة أمهرة الأكثر سكانا التي تحدها من الجنوب، ما زالت دون حسم.
وفي تعليقه على اتفاق وقف إطلاق النار، شكا ديسالين تشين، النائب الاتحادي من أمهرة والرئيس السابق لحزب معارض رئيسي من المنطقة، من أن الاتفاق لم يعترف بمطالبة أمهرة بالمنطقتين المتنازع عليهما وهما ويلكيت ورايا.
وقال لرويترز فيما قد يكون نذيرا ببعض الصعوبات المقبلة "أي اتفاق لا يعترف... بأن ويلكيت ورايا تحت إدارة أمهرة لن يكون مقبولا للأمهريين ولن يحقق السلام الدائم".
ولم يرد متحدث باسم الحكومة الإقليمية في أمهرة التي يديرها حزب الرخاء بزعامة أبي أحمد، على طلب للتعليق.
(إعداد محمود عبد الجواد ومحمد حرفوش للنشرة العربية - تحرير أيمن سعد مسلم)