من هنريت شقر
القدس (رويترز) - في الوقت الذي كان يغلق فيه الآلاف من الإسرائيليين الطرق ويشتبكون مع الشرطة بسبب التعديلات القضائية التي يدفع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لإقرارها، اكتفى مواطنون من عرب إسرائيل بتداول المنشورات الساخرة التي تصورهم وهم يتابعون دون مبالاة الأزمة وهي تتصاعد.
ويشكل عرب إسرائيل خُمس السكان البالغ عددهم 9.7 مليون نسمة، وربما يكونون من أكثر المتضررين من مساعي للحكومة المؤلفة من أحزاب دينية وقومية لغل يد المحكمة العليا، لكنهم يشيرون إلى مخاوف أعمق من الجدل الدائر حول التوازن بين السلطات.
وقال عدنان الحاج يحيى (67 عاما) وهو معلم متقاعد بينما يجلس في مقهى ببلدة الطيبة التي تقع في وسط الضفة الغربية المحتلة إن عرب إسرائيل في معركة مستمرة من أجل وجودهم.
ونظر الحاج يحيى إلى إعلان احتجاجي يغطي الصفحات الأولى من الصحف الإسرائيلية الكبرى بكلمات "يوم أسود للديمقراطية" وقال إن هذه الكلمات تصور الواقع اليومي لمجتمعه.
ومعظم المواطنين العرب في إسرائيل هم من نسل فلسطينيين بقوا داخل إسرائيل بعد إعلان قيامها بعد حرب عام 1948. ويصفون أنفسهم إلى حد كبير بأنهم فلسطينيون ولطالما فكروا مليا في وضعهم في السياسة وأجروا موازنات بين إرثهم وجنسيتهم الإسرائيلية.
وقال المحامي حسن جبارين، مؤسس جماعة عدالة الحقوقية ومقرها حيفا، إنه في الوقت يحتدم فيه الجدل بين البعض عن هوية الدولة باعتبارها يهودية وديمقراطية، يرى المواطنون الفلسطينيون أن "لا مكان لهم في هذه الصيغة".
وقال جبارين ولديه خبرة تمتد لعقدين في رفع دعاوى أمام المحكمة العليا تتعلق بحقوق الأقليات، إن المحكمة كانت عادة خط الدفاع الأخير في قضايا "التمييز الشديد وغير المعقول". وأشار إلى حماية المشاركة العربية في الانتخابات والتوزيع العادل للمخصصات المالية وحق العيش في البلدات التي تحرم العرب من الإقامة فيها.
لكن الفلسطينيين، سواء كانوا يحملون الجنسية الإسرائيلية أو يعيشون تحت الاحتلال العسكري، ليس لديهم أمل كبير في محكمة تنتهج نهجا محافظا على نحو متزايد ودعمت مشروعات قوانين مثل قانون الدولة القومية الصادر في 2018 والذي ينص على أن لليهود وحدهم الحق في تقرير المصير.
وقال جبارين "التمييز في إسرائيل رسمي. هذه هي الدولة الوحيدة في العالم التي ترفض فكرة أن تكون الدولة لجميع مواطنيها".
* البقاء على قيد الحياة هو الأولوية
تقول إسرائيل إنها تمنح عرب إسرائيل حقوقا متساوية، لكن كثيرين من مواطنيها العرب يقولون إنهم يواجهون تمييزا هيكليا وسياسات عدائية.
وكشف تقرير صادر عن المعهد الإسرائيلي للديمقراطية في عام 2021 عن وجود فجوات اجتماعية واقتصادية كبيرة بين المواطنين اليهود والعرب، مع ارتفاع معدل الفقر ثلاثة أمثال بين العرب.
وجاء في التقرير أن العرب يعملون أساسا في وظائف منخفضة الدخل. ويعيشون عادة في بلدات وقرى مكتظة بالسكان تعاني من قصور في البنية التحتية ومدارس محدودة التمويل.
وقالت النائبة في الكنيست عايدة توما سليمان من حزب الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة وهو حزب لعرب إسرائيل إن خطر ضعف الرقابة على السلطة التنفيذية واضح للمواطنين من عرب إسرائيل وهذا يتجلى تحديدا في حكومة وسعت المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة وتضم وزراء بارزين يثيرون المشاعر العدائية ضدهم.
وفي وقت سابق من هذا العام، نددت الولايات المتحدة بتصريحات لوزير المالية بتسلئيل سموتريتش وقالت إنها تحرض على العنف بعدما قال إنه يجب على إسرائيل "محو" قرية فلسطينية في الضفة الغربية.
لكن النائبة قالت إن كثيرين ما زالوا يقفون في مواضع المتفرجين لأنهم لا يرون مصلحة لهم في حركة احتجاجية تغص بالرموز القومية والعسكرية.
وبدلا من ذلك، ظل المواطنون الفلسطينيون منذ شهور يحشدون جهودهم للتصدي لأزمة مختلفة تتمثل في مستويات قياسية من عنف جماعات الجريمة المنظمة تزعزع استقرار مجتمعاتهم.
وقُتل ما لا يقل عن 130 مواطنا عربيا في حوادث إطلاق نار مرتبطة بجرائم منذ يناير كانون الثاني، وهو مثلي عدد القتلى خلال الفترة نفسها من العام الماضي، وفقا لبيانات جمعتها مجموعة ناشطة مناهضة للعنف.
وقالت عايدة توما سليمان إن الأمر لا يقتصر على ارتفاع عدد القتلى فحسب، بل تأثير جماعات الجريمة المنظمة الذي يشل حركة الجماعات المحلية التي لم تعد تشعر بالأمان.
وحث قادة وأعضاء المجتمع رئيس الوزراء على اتخاذ إجراءات، متهمين الحكومة والشرطة بالإهمال المنهجي. وقال نتنياهو، في بيان نادر عقب مقتل خمسة أشخاص في يوم واحد في يونيو حزيران، إن الحكومة "عازمة على محاربة الجريمة المنظمة واستعادة الهدوء".
وقالت النائبة "المجتمع الفلسطيني يحاول النضال من أجل البقاء... الأولوية القصوى للفلسطينيين في هذه المرحلة هي البقاء أحياء. الأولوية القصوى للمحتجين، المحتجين اليهود، هي العيش في ظل ديمقراطية".
(شارك في التغطية إسماعيل خضر- إعداد محمد حرفوش للنشرة العربية - تحرير محمود رضا مراد)