من رهام الكوسى
مخيم برج البراجنة، لبنان (رويترز) - رؤية الفلسطينيين المحاصرين في غزة تنكأ الجرح القديم في وجدان اللاجئين المسنين في لبنان وتحيي آلام ذكريات فرارهم في حرب 1948 من القرى والبلدات التي كانت ذات يوم في فلسطين تحت الانتداب البريطاني وأصبحت الآن جزءا من إسرائيل.
وعلى الرغم من المشاهد التي يبثها التلفزيون للحرب بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، فإن العودة هي ما تريده بدور الهبيط التي فرت من منزلها بالقرب من مدينة عكا الساحلية قبل 75 عاما وانتهى بها المقام في مخيم برج البراجنة المكتظ في بيروت.
وقالت المرأة البالغة 82 عاما وهي تتحدث في مبنى عشوائي في أحد الأزقة الضيقة للمخيم "إذا صارت (بدأت) المعركة يفتحوا الحدود. هنروح (سنعود) صغير وكبير (صغارا وكبارا).... ياخدوا البنايات، بنريد الأرض وبنعمل خشبيات (مساكن بالخشب) وخيم... مش (ليس) خيم حتى (بل) بنعمل خيم بالغاب وبنقعد بفلسطين".
وفر الفلسطينيون إلى لبنان ودول عربية أخرى فيما يعرف باسم "النكبة" حين طردوا من منازلهم مع إعلان دولة إسرائيل عام 1948، على الرغم من أن إسرائيل تطعن في زعم إجبارهم على المغادرة.
والخيام التي آوتهم في البداية، أفسحت المجال أمام مخيمات، مثل برج البراجنة، مكتظة بمباني خرسانية سيئة البناء وعشوائية لا تعرف شيئا عن التخطيط الحضري.
لكن وضع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، سواء الناجين من الأيام الأولى أو أحفادهم، لم يتغير على الرغم من مرور عقود. فمازالوا بلا جنسية ولا يمكنهم التملك والوظائف المسموح لهم الاضطلاع بها محدودة.
وتقول ولاء كيال من مؤسسة أسيوس الخيرية البريطانية التي تبحث في قضايا اللجوء "الوضع بائس حرفيا". وأضافت أن الفلسطينيين الذين فروا إلى لبنان يواجهون "أسوأ وضع" مقارنة بمن ذهبوا إلى بلدان أخرى في عام 1948.
وتمكن الفلسطينيون من عيش حياة أكثر اندماجا في مجتمعات دول عربية أخرى وأصبح بعضهم مواطنين. لكن السلطات اللبنانية أثبتت أنها أقل تسامحا بكثير لأنها تخشى تغير مكونات المركب الطائفي القابل للاشتعال في البلاد.
* "معركة كل الأمة"
وما زال كثيرون من الفلسطينيين الذين فروا إلى لبنان وأحفادهم يعيشون في 12 مخيما للاجئين في جميع أنحاء لبنان الذي يستضيف الآن نحو 174 ألف لاجئ فلسطيني.
والجدران في برج البراجنة، مثل المخيمات الأخرى، مغطاة بكتابات تدعم الفصائل الفلسطينية صاحبة السيطرة الفعلية على المخيمات. وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) إن الأمن والحكم في أيدي اللجان الشعبية والفصائل الفلسطينية. وتبقى قوات الأمن اللبنانية خارج المخيمات غالبا.
ومنذ أن شنت حماس هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر تشرين الأول، وشنت إسرائيل غاراتها الجوية المدمرة على غزة ردا على ذلك، ظهرت كتابات جديدة على الجدران.
وتقول إحدى الرسائل المكتوبة على أحد الجدران "معركة كل الأمة، طوفان الأقصى"، في إشارة إلى الاسم الذي أطلقته حماس على هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر تشرين الأول.
وقالت زهرة ستيتية (51 عاما)، وهي فلسطينية تعمل بحياكة الملابس، إنها تأمل أن يفتح الصراع الأخير الطريق يوما ما أمامها وعائلتها للعودة إلى منزلهم الأصلي "عطونا أمل كبير هي المقاومة، أنه هاي اللي عملوه بفلسطين وأن نرجعلها، يعني فيه أمل كبير إن شاء الله إن بنرجع على فلسطين، لانه يعني لو ما عملوا هيك ما في أمل أن نرجع على فلسطين، بس هيك عم بيحرروها إن شاء الله".
وفي قطاع غزة، وهو شريط ساحلي ضيق من الأرض يبلغ طوله 40 كيلومترا فقط، يعيش 2.3 مليون شخص معظمهم أيضا لاجئون فلسطينيون نزحوا مما يعرف الآن بإسرائيل. وهؤلاء ينزحون من جديد.
وفر سكان من غزة من منازلهم في شمال القطاع بعد أن طلبت منهم إسرائيل الانتقال جنوبا حفاظا على سلامتهم، حتى مع استمرار إسرائيل في قصف مواقع على امتداد القطاع.
لكن هذه المرة، لا يمكنهم مغادرة حدود قطاع غزة. وقال زعماء عرب، خاصة من الأردن الذي يقع على حدود الضفة الغربية ومصر التي تشترك في الحدود مع غزة، إنه يتعين عدم طرد الفلسطينيين من أراضيهم مرة أخرى.
أما والدة زهرة، خديجة ستيتيه التي كانت في التاسعة من عمرها حين حرمت أسرتها من منزلهم في صفد فيما يعرف الآن بشمال إسرائيل في عام 1948، فإن أخبار التهجير الجماعي في الآونة الأخيرة للفلسطينيين في غزة تجعل جسدها يرتجف.
وقالت "شو باحس، كل جسمي بيصير يرجف. صحيح أن آسرة (أسيرة) ومش قادرة أقوم (لا استطيع الحركة)... بس إحساسي قوية بس أبكي على الشباب".
(إعداد محمد حرفوش للنشرة العربية - تحرير سامح الخطيب)