من تيم كوكس
جوهانسبرج (رويترز) - ربما أثارت قضية الإبادة الجماعية التي تقدمت بها جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل استياء عواصم الشركاء التجاريين الغربيين الحيويين، لكنها عززت مكانة الدولة باعتبارها بطلا لجنوب العالم المسحوق.
وستؤتي هذه المغامرة أكلها على الأرجح، وذلك بفضل التنافس المتجدد على معادن أفريقيا وعمليات التصويت في الأمم المتحدة بين الغرب والصين وروسيا الذي حفزته الحرب الروسية على أوكرانيا.
ورفضت محكمة العدل الدولية التماسا قدمته إسرائيل لرفض القضية يوم الجمعة وأمرتها بمنع قواتها من ارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين رغم أن القرار لم يصل إلى حد الأمر بوقف إطلاق النار الذي طالبت به جنوب أفريقيا.
ولم تبت المحكمة في دعوة الإبادة الجماعية التي قد تستغرق سنوات.
وقالت سوزان بويزن، مديرة الأبحاث في معهد مابونجوبوي للفكر الاستراتيجي "كان أمرا لا يصدق".
وأضافت "بدا واضحا تماما... من تسليط الضوء على الانتهاكات... ولذلك أعتقد أن الحكم يمنح جنوب أفريقيا قدرا كبيرا من التقدير كمدافع دولي عن حقوق الإنسان".
وبينما قد يتذمر حلفاء إسرائيل في واشنطن وبروكسل ولندن، لكنهم لا يستطيعون تقريبا تحمل مغبة إقصاء القوة الصناعية والدبلوماسية الكبيرة في أفريقيا، وخاصة في ظل وجود الصين التي تخطب ود القارة بالمال والسكك الحديد ونقل التكنولوجيا وتمثل قوة عظمى رئيسية تنافس الولايات المتحدة.
وقال ستيفن فريدمان، مدير مركز دراسة الديمقراطية في جنوب أفريقيا "إذا بدأت بمعاقبة جنوب أفريقيا لذهابها إلى محكمة العدل الدولية، فسوف يتعين عليك البدء بمعاقبة دول أفريقية أخرى كثيرة" لدعمها الفلسطينيين.
وأضاف "وإذا فعلت هذا، فيمكن أن تبعث أيضا برسالة (للرئيس الصيني) شي جين بينغ تقول فيها لقد فزت".
وفي تأكيد على هذه النقطة، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في زيارة إلى أنجولا يوم الخميس، بشأن تقدم جنوب أفريقيا بالقضية في محكمة العدل الدولية "سواء كان بيننا خلاف أم لا، فإن مسألة معينة لا تنتقص من العمل المهم الذي نقوم به معا في مجالات أخرى كثيرة".
ويقارن المسؤولون في جنوب أفريقيا غالبا نضالهم السابق ضد حكم الأقلية البيضاء بالقضية الفلسطينية، وهي مقارنة ترفضها إسرائيل بشدة.
* "موضع فخر"
تسببت الحرب في غزة في نزوح نحو 1.9 مليون شخص ومقتل ما لا يقل عن 26 ألفا، وفقا للسلطات الصحية في قطاع غزة. وأثارت الحرب غضبا وانقساما عالميا، وقد يمثل حكم المحكمة الدولية بداية فصل جديد.
وقال محامي حقوق الإنسان ريد برودي "محكمة العدل الدولية لم تعط جنوب أفريقيا كل ما أرادت، لكن الحكم يأتي تأكيدا على دوافع القضية، وإدانة قوية للسياسة الإسرائيلية".
وتقدم جنوب أفريقيا نفسها على أنها منتقدة لنظام عالمي ترى أنه يخدم أساسا مصالح الولايات المتحدة وحلفائها من الدول الغنية الذين يروجون لمعايير دولية يطبقونها على الأعداء لكن ليس على الأصدقاء أو حتى على أنفسهم في كثير من الأحيان.
وقال كريس أوجونموديدي، المحلل والمحرر في صحيفة ورلد بوليتكس ريفيو إن رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامابوسا، أثناء جائحة كوفيد-19، هو من أدان العالم الغني لاستئثاره بكل اللقاحات.
ولعبت جنوب أفريقيا دورا فعالا في الترويج لمجموعة بريكس كبديل للهيمنة الغربية مع تعبير 40 دولة عن رغبتها في الانضمام العام الماضي. ومجموعة بريكس هي منتدى تقوده البرازيل وروسيا والهند والصين بالإضافة إلى جنوب أفريقيا نفسها.
وقال أوجونموديدي إن قضية محكمة العدل الدولية "مؤشر آخر على المكانة المهمة التي تسعى جنوب أفريقيا لاحتلالها باعتبارها من الأصوات الرائدة في القارة في الشؤون العالمية".
وعدم اتخاذ جنوب أفريقيا مثل هذا الموقف الأخلاقي الواضح تجاه روسيا أثار استغرابا. وفي العام الماضي، لم تفلح الحكومة في الحصول على إعفاء من التزامها باعتقال الرئيس فلاديمير بوتين عن اتهامه بارتكاب ما يُعتقد أنها جرائم حرب في أوكرانيا، وذلك حتى يتمكن من حضور قمة بريكس.
وقالت المؤلفة والكاتبة فريال هفاجي في صحيفة ديلي مافريك القومية هذا الشهر "المبدأ الأساسي في الأخلاقيات هو أنها لا يمكن أن تكون انتقائية. جنوب أفريقيا لم تفعل الصواب تجاه الشعب الأوكراني". لكنها أثنت على جنوب أفريقيا لاختيارها فريقا قانونيا من الدرجة الأولى للدفاع عن القضية في محكمة العدل الدولية.
ويفتخر شعب جنوب أفريقيا بحكم القانون القوي الذي تمخض عنه نضالهم ضد الفصل العنصري والذي غالبا ما يحل نزاعات سياسية داخلية محفوفة بالضغائن.
وقال كريس فاندوم، الباحث الجنوب الأفريقي البارز في تشاتام هاوس "رؤية قضاتهم على مقاعد محكمة العدل الدولية وهم يرتدون الأوشحة الجنوب أفريقية يشبه مشاهدة فريق سبرينجبوكس (فريق الرجبي الوطني) يفوز بكأس العالم".
وأضاف أن هذا "مبعث فخر".
(إعداد محمد حرفوش وعبد الحميد مكاوي للنشرة العربية - تحرير دعاء محمد وأيمن سعد مسلم)