من مايا الجبيلي
بيروت (رويترز) - أدى مقتل سياسي محلي إلى تعميق الانقسامات الطائفية والسياسية في لبنان مما أثار مخاوف من وقوع اشتباكات مسلحة بين الفصائل المتناحرة في بلد يعاني بالفعل من أزمة اقتصادية عميقة ويتعرض للقصف عبر الحدود بسبب حرب غزة.
وسارع المسؤولون الحكوميون والدينيون إلى تهدئة التوترات بعد أن أثار مقتل باسكال سليمان مخاوف من تجدد مشاجرات الشوارع بين الأحزاب المتنافسة وتسبب في تعرض سوريين للضرب. وكان سليمان يرأس حزب القوات اللبنانية المناهض لحزب الله في منطقة ساحلية ذات أغلبية مسيحية.
وقال الجيش اللبناني يوم الاثنين إن مجموعة من السوريين حاولت سرقة سيارة سليمان مساء اليوم السابق لكنهم قتلوه في النهاية ونقلوا جثته إلى سوريا المجاورة. وأضافت أن قوات الأمن اعتقلت معظم الضالعين في الحادث.
لكن حزب القوات اللبنانية رفض في بيان مكتوب لرويترز يوم الثلاثاء هذه الرواية قائلا إن سليمان تعرض للهجوم بسبب آراء الحزب السياسية.
وقال الحزب إن "ما سرب من معلومات حتى الآن عن دوافع الجريمة لا يبدو منسجما مع حقيقة الأمر، إنما نعتبر استشهاد الفريق باسكال سليمان عملية قتل تمت عن عمد وعن قصد وعن سابق تصور وتصميم، ونعتبرها حتى إشعار آخر عملية اغتيال سياسية حتى إثبات العكس".
ولم توجه القوات اللبنانية أصابع الاتهام بشكل مباشر إلى منافسها الرئيسي، جماعة حزب الله الشيعية المدعومة من إيران والمدججة بالسلاح، لكن مسؤولي الحزب أشاروا إلى سلسلة من عمليات القتل لشخصيات مناهضة لحزب الله في العقدين الماضيين كحالات مماثلة.
وتصاعدت الانتقادات الموجهة إلى حزب الله من جانب الطائفة المسيحية في لبنان في الأسابيع القليلة الماضية، خاصة بعد اتهام مقاتلين من الجماعة بمحاولة إطلاق صواريخ على إسرائيل المجاورة من قرية مسيحية على طول الحدود الجنوبية للبنان.
ويعد هذا انعكاسا لغضب متزايد لدى منتقدي حزب الله بشأن ترسانة الجماعة المثيرة للجدل والتي تتفوق على الجيش.
وقال بطريرك لبنان البطريرك بشارة الراعي "في هذا الظرف الدقيق والمتوتر سياسيا وأمنيا واجتماعيا، ندعو إلى التروي وضبط النفس". وكان قد انتقد حزب الله بشكل غير مباشر في السابق قائلا إن الحرب المستمرة منذ ستة أشهر مع إسرائيل "فُرضت" على المسيحيين.
* "عقاب جماعي"
وفي خطاب نقلته شاشات التلفزيون يوم الاثنين، قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إن مقتل سليمان "لا علاقة له بالسياسة، ولا علاقة له بحزب الله".
وقال وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي للصحفيين يوم الثلاثاء "دعونا لا نقارن جريمة باسكال سليمان بغيرها.. البلد لا يتحمل مشاكل أكثر مما هو يواجهها ولا يحتمل فتنا".
وأغلق أنصار القوات اللبنانية الطرق الرئيسية في شمال لبنان يوم الاثنين، وألغيت المدارس في بيروت يوم الثلاثاء وسط مخاوف من جولة أخرى من العنف بين القوات اللبنانية وحزب الله. وفي عام 2021، قُتل سبعة شيعة بالرصاص في هجوم على احتجاج دعا إليه حزب الله الذي أنحى باللائمة في مقتلهم على أنصار القوات اللبنانية.
ويحيي لبنان في نهاية الأسبوع ذكرى بدء الحرب الأهلية في 13 أبريل نيسان 1975، والتي اندلعت بعد أن نصب مسلحون مسيحيون كمينا لحافلة تقل فلسطينيين في جنوب بيروت. واستمر الصراع حتى عام 1990.
ويستضيف لبنان الآن مئات الآلاف من اللاجئين السوريين الفارين من الحرب التي اندلعت في وطنهم عام 2011. وفي العام الماضي، رحلت قوات الأمن اللبنانية عشرات اللاجئين فيما وصفته جماعات حقوق الإنسان بأنه انتهاك للقانون الدولي.
وفي غضون ساعات من بيان الجيش اللبناني يوم الاثنين الذي اتهم فيه مجموعة من السوريين، تجمعت حشود غاضبة في شمال لبنان بالقرب من مسقط رأس سليمان وفي بيروت.
وحطم بعض الرجال سيارات تحمل لوحات سورية، وداهموا منازل يعتقد أن السوريين يعيشون فيها، أو ضربوا سائقي دراجات نارية يعتقد أنهم سوريون، وفقا لشهود ولقطات تمت مشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال محمد حسن، من مركز الوصول لحقوق الإنسان، وهو منظمة حقوقية، إن هذه المشاهد "مثال خطير ومؤسف لمبدأ العقاب الجماعي".
وقالت القوات اللبنانية لرويترز إنها تدين العنف ضد السوريين ولا تريد أن ترى اللاجئين يتعرضون للهجوم.
وأضافت أن هذا تحول عن القضية الفعلية.
(تغطية صحفية مايا الجبيلي وليلى بسام - إعداد سامح الخطيب للنشرة العربية - تحرير أيمن سعد مسلم)