من سامية نخول وباريسا حافظي وجيمس ماكنزي
دبي/القدس (رويترز) - بعد أيام من المراوغة، جاءت الضربة الإسرائيلية على إيران محدودة ومصممة بعناية على ما يبدو للحد من مخاطر اندلاع حرب كبرى، حتى لو كانت الحقيقة المؤكدة هي الوقوع في المحظور وتحطيم "تابوه" عدم الدخول في مواجهات مباشرة، وهو ما فعلته طهران قبل أيام.
وقالت ثلاثة مصادر مطلعة إن حكومة الحرب الإسرائيلية التي يتزعمها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وافقت في البداية على خطط توجيه ضربة داخل الأراضي الإيرانية ليل يوم الاثنين الماضي برد قوي على الصواريخ والطائرات المسيرة التي أطلقتها طهران يوم السبت، لكنها تراجعت في اللحظات الأخيرة.
وأضافت المصادر أن الأعضاء الثلاثة الذين لهم حق التصويت في حكومة الحرب كانوا قد استبعدوا بالفعل في ذلك الوقت اللجوء إلى أشد الردود قوة، بتوجيه ضربة إلى مواقع استراتيجية من بينها منشآت إيران النووية، والتي من المؤكد أن تدميرها سيؤدي إلى توسيع نطاق الصراع في المنطقة.
وذكرت المصادر أنه تقرر إرجاء خطط الرد منذ ذلك الحين مرتين في ظل الانقسامات داخل الحكومة والتحذيرات القوية من الشركاء ومنهم الولايات المتحدة ودول الخليج بعدم التصعيد، إلى جانب الحاجة إلى أن يكون الرأي العام العالمي بجانب إسرائيل. وقال مسؤولون حكوميون إن اجتماعين لحكومة الحرب الإسرائيلية تأجلا أيضا مرتين.
ولم يرد مكتب نتنياهو على طلبات للتعليق على هذه الرواية. وقبل الهجوم، نقل متحدث باسم مديرية الدبلوماسية العامة الوطنية التابعة للحكومة عن نتنياهو قوله إن إسرائيل ستدافع عن نفسها بأي طريقة تراها مناسبة.
وتحدثت رويترز إلى أكثر من عشرة مصادر في إسرائيل وإيران ومنطقة الخليج والولايات المتحدة، الذين أشاروا إلى بذل جهود على مدار ستة أيام في الخليج وواشنطن وبين بعض مخططي الحرب الإسرائيليين لوضع حدود للرد على أول ضربة إيرانية مباشرة على خصمها اللدود بعد عقود من الحرب الخفية.
وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي لرويترز "حذرنا من الخطر الجسيم المتمثل في مزيد من التصعيد"، مسلطا الأضواء على حقيقة أن اتساع نطاق الصراع في المنطقة ستكون له تداعيات كارثية وسوف يهدد بتحويل أنظار العالم بعيدا عن الحرب الإسرائيلية المستمرة في غزة.
وأضاف الصفدي أن بلاده التي تشترك في حدود مع إسرائيل "أوضحت للجميع أنها لن تكون ساحة للقتال بين إسرائيل وإيران. هذا الموقف الحازم نُقل للجميع بشكل لا لبس فيه".
وطلبت غالبية المصادر عدم ذكر أسمائها بسبب حساسية الموضوع.
ويبدو أن الضربة التي وقعت يوم الجمعة استهدفت قاعدة للقوات الجوية الإيرانية بالقرب من مدينة أصفهان في عمق البلاد على مقربة من المنشآت النووية لإرسال رسالة بمدى قدرة إسرائيل على الوصول لكن بدون استخدام طائرات أو صواريخ باليستية أو قصف أي مواقع استراتيجية أو التسبب في أضرار كبيرة.
وقالت إيران إن أنظمتها الدفاعية أسقطت ثلاث طائرات مسيرة فوق قاعدة بالقرب من أصفهان في وقت مبكر من صباح يوم الجمعة. ولم تذكر إسرائيل شيئا عن الواقعة. وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إن الولايات المتحدة لم تشارك في أي عمليات هجومية.
وقال مسؤول إيراني لرويترز إن هناك دلائل على أن الطائرات المسيرة أُطلقت من داخل إيران وأن من أطلقها "متسللون" وهو ما قد ينفي الحاجة إلى الرد.
وقال مصدر مطلع على تقييمات المخابرات الغربية للواقعة إن الأدلة الأولية تشير إلى أن إسرائيل أطلقت طائرات مسيرة من داخل الأراضي الإيرانية. ولم ترد وزارة الخارجية الإيرانية على طلب للتعليق.
وقال إيتمار رابينوفيتش، السفير الإسرائيلي السابق لدى واشنطن "لقد حاولت إسرائيل الموازنة بين ضرورة الرد والرغبة في عدم الدخول في دائرة (مفرغة) من الفعل ورد الفعل الذي من شأنه أن يتصاعد إلى ما لا نهاية".
ووصف رابينوفيتش الوضع بأنه يشبه رقصة يعطي فيها كل طرف للآخر إشارات على نواياه وخطواته التالية.
وقال المحلل السعودي المخضرم عبد الرحمن الراشد لرويترز "هناك ارتياح كبير في منطقة الخليج. يبدو أن الهجوم كان محدودا ومناسبا وتسبب في أضرار محدودة. أرى أنه تهدئة".
* مكالمة بايدن
يسلط قرار التراجع عن اتخاذ إجراء فوري أوسع هذا الأسبوع الضوء على الضغوط المتلاحقة على حكومة نتنياهو في أعقاب هجوم إيران على إسرائيل مساء السبت باستخدام أكثر من 300 من الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية وصواريخ كروز.
وقال مسؤولان إسرائيليان مطلعان إن عضوين في حكومة الحرب، هما بيني جانتس وجادي أيزنكوت، وكلاهما قائد سابق للقوات المسلحة، كانا يريدان الرد فورا على هجوم طهران قبل أن يوافقا على التأجيل إثر مكالمة مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، وفي مواجهة رؤى مختلفة من وزراء آخرين.
ولم يرد متحدث باسم جانتس على طلب التعليق.
وينتمي جانتس إلى تيار الوسط وانضم إلى حكومة طوارئ شكلها نتنياهو في أعقاب هجوم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) على إسرائيل في أكتوبر تشرين الأول.
ورفضت وزارة الخارجية الأمريكية التعليق على أسئلة حول عملية صنع القرار في إسرائيل. وقال بلينكن يوم الجمعة إن واشنطن تعمل على تهدئة التوتر. ولم يرد البيت الأبيض على الفور على طلب للتعقيب.
وقال متحدث باسم حزب شاس، وهو أحد الأحزاب الدينية المتشددة في ائتلاف نتنياهو ويتزعمه أرييه درعي العضو المراقب في حكومة الحرب الذي كان يميل إلى الحذر من اتخاذ خطوات جذرية، إن درعي عارض بشدة توجيه ضربة فورية لإيران لاعتقاده بأنها قد تعرض الشعب الإسرائيلي لمخاطر التصعيد.
وقال درعي لصحيفة (هاديريش) الإسرائيلية "علينا أيضا أن ننصت لشركائنا، إلى أصدقائنا في العالم. أقول هذا بوضوح، لا أرى أي خجل أو ضعف في القيام بذلك".
وذكر محللون ومسؤولون سابقون في إسرائيل أن خيارات تل أبيب تنوعت بين شن هجمات على منشآت إيرانية استراتيجية، بما يشمل المواقع النووية أو قواعد الحرس الثوري، وبين عمليات سرية واغتيالات وهجمات إلكترونية على منشآت صناعية استراتيجية ومنشآت نووية.
وقال عبد العزيز الصغير رئيس مركز الخليج للأبحاث ومقره السعودية إن دول الخليج تشعر بقلق متزايد من تحول الوضع إلى صراع إقليمي خطير قد يخرج عن السيطرة أو يستعصي على محاولات الاحتواء.
ودعت المملكة العربية السعودية والإمارات إلى ممارسة أقصى درجات "ضبط النفس" لتفادي توسع الصراع في المنطقة.
وأضاف الصغير أن دول الخليج حذرت الولايات المتحدة من خطر التصعيد، وقالت إن على إسرائيل أن تشن هجوما محدودا فقط دون إصابات أو أضرار واسعة يمكن أن ينتج عنها انتقام كبير.
وقال مصدر مخابراتي إقليمي كبير إن هذه الرسائل "تم نقلها بقوة" في الأيام القليلة الماضية من الأردنيين والسعوديين والقطريين عبر القنوات الأمنية والدبلوماسية المباشرة.
وبحلول يوم الخميس، عبرت أربعة مصادر دبلوماسية وحكومية في المنطقة عن ثقتها في أن الرد سيكون محدودا ومتناسبا.
وقبل الهجوم الإسرائيلي الذي وقع أثناء الليل، قال مصدر إقليمي مطلع على التفكير في إسرائيل، إن الرد سيكون بحرص لتقليل الخسائر أو تجنبها تماما ومن المرجح أن يستهدف قاعدة عسكرية.
وذكر مصدر حكومي خليجي مطلع أن تحليق طائرات مقاتلة من طراز (إف-35) من إسرائيل إلى إيران، أو إطلاق صواريخ من إسرائيل، سينتهك على نحو شبه مؤكد المجال الجوي لدول مجاورة، مما سيثير غضب دول عربية يسعى نتنياهو منذ فترة طويلة إلى عقد تحالف استراتيجي معها.
وأوضح المصدر أنه ليس بوسع نتنياهو "توجيه طائرات مقاتلة من طراز (إف-35) بهذه السهولة عبر المنطقة وقصف إيران أو مواقعها النووية".
وحذر مسؤولون إيرانيون من أن أي هجوم إسرائيلي كبير سيؤدي إلى انتقام فوري.
وقال مسؤول إيراني كبير إن خيارات إيران للرد تشمل إغلاق مضيق هرمز الذي يمر عبره نحو خمس تجارة النفط العالمية، فضلا عن حث وكلاء طهران على استهداف مصالح إسرائيلية أو أمريكية، ونشر صواريخ لم تستخدم من قبل.
ورغم رضا المعتدلين في الداخل الإسرائيلي والجيران والشركاء الدوليين، فإن الضربة المصممة بعناية لاقت بعد حدوثها استياء من المتشددين في حكومة نتنياهو.
وكتب وزير الأمن الوطني إيتمار بن جفير، الذي يعد حزبه القومي المتطرف من الركائز الأساسية لائتلاف نتنياهو، كلمة واحدة على موقع التواصل الاجتماعي إكس "ضعيف".
(شارك في التغطية دان وليامز وأندرو ماكاسكيل من القدس وسليمان الخالدي من عمان وحميرة باموق وسيمون لويس وستيف هولاند من واشنطن - إعداد محمد عطية وعبد الحميد مكاوي للنشرة العربية - تحرير أيمن سعد مسلم)