من فيليب بوليلا ومايكل جورجي
الموصل (العراق) (رويترز) - روى سكان مسلمون ومسيحيون في مدينة الموصل العراقية يوم الأحد للبابا فرنسيس معاناتهم تحت الحكم الوحشي لتنظيم الدولة الإسلامية وبارك البابا عزمهم على النهوض من وسط الرماد وقال لهم إن "الأخوة أقوى من قتل الإخوة".
وزار البابا فرنسيس، في إطار زيارته التاريخية للعراق، الموصل بهدف الدعوة لتضميد الجراح الطائفية وللصلاة من أجل من فقدوا أرواحهم من جميع الأديان.
وسار البابا (84 عاما) مارا بأطلال بيوت مهدمة وكنائس إلى ساحة كانت يوما قلبا نابضا للمدينة القديمة هناك. وجلس محاطا بأنقاض المباني وبقايا الدرجات الخرسانية والكنائس العتيقة المهدمة، وهي مبان معظمها في حالة لا تسمح بالدخول إليها لخطورتها.
وقال المطران نجيب ميخائيل رئيس أساقفة أبرشية الموصل وعقرة الكلدانية للبابا "معا نقول لا للتطرف. لا للطائفية.. ولا للفساد".
ودُمرت معظم مدينة الموصل القديمة بسبب معارك شرسة شنتها القوات العراقية وقوات التحالف الدولي لطرد تنظيم الدولة الإسلامية.
وصلى البابا، الذي بدا عليه التأثر بحجم الدمار المحيط به، لكل من فقدوا أرواحهم في الموصل.
وقال "إنها لقسوة شديدة أن تكون هذه البلاد، مهد الحضارات، قد تعرضت لمثل هذه العاصفة اللاإنسانية التي دمرت دور العبادة القديمة، وألوف الألوف من الناس، مسلمين ومسيحيين ويزيديين وغيرهم، هُجروا بالقوة أو قتلوا".
وتابع البابا قائلا "اليوم وعلى الرغم من كل شيء، نحن نؤكد من جديد قناعتنا بأن الأخوة أقوى من قتل الإخوة، وأن الرجاء أقوى من الموت، وأن السلام أقوى من الحرب. تنطق هذه القناعة بصوت أكثر بلاغة من صوت الكراهية والعنف. ولا يمكن أن يُخنق وسط الدماء التي تسبب في إراقتها هؤلاء الذين يشوهون اسم الله ويسيرون في طرق الدمار" في إشارة مباشرة فيما يبدو لتنظيم الدولة الإسلامية.
وأحيطت زيارته بإجراءات أمنية مكثفة. ورافقت موكبه شاحنات عسكرية مزودة بمدافع آلية واختلط رجال أمن بملابس مدنية بالناس في الموصل بينما برزت مسدساتهم من حقائب على صدورهم.
ثم تلا البابا صلاة كرر خلالها التركيز على أحد أهم أهداف زيارته، وهي أول زيارة بابوية إلى العراق، وهو أن من الخطأ على الدوام الكراهية أو القتل أو شن الحرب باسم الرب.
واجتاح مسلحون متشددون من تنظيم الدولة الإسلامية، الذي حاول تأسيس دولة خلافة في أنحاء المنطقة، شمال العراق في الفترة بين عامي 2014 و2017 وقتلوا مسيحيين وأيضا مسلمين ممن عارضوا نهجهم.
* خائفون من العودة
عانت الطائفة المسيحية العراقية، وهي من بين الأقدم في العالم، بشكل خاص من سنوات الصراع وأصبح تعداد أفرادها نحو 300 ألف انخفاضا من حوالي 1.5 مليون قبل الغزو الأمريكي للعراق في 2003 وما تلاه من عنف وحشي من المتطرفين الإسلاميين.
وروى الأب رائد عادل كلو مسؤول كنائس الموصل للسريان الكاثوليك وراعي كنيسة البشارة التي دُمرت في الموصل كيف نزح في 2014 مع نحو 500 أسرة مسيحية بينما لم يبق الآن سوى أقل من 70 أسرة.
وقال "غادرت المدينة في... 2014 مع رعية متكونة من حوالي 500 عائلة مسيحية هاجرت معظمها إلى خارج القطر والبقية الباقية تخاف العودة والذين يسكنون المدينة اليوم من المسيحيين لا يتجاوزون السبعين عائلة".
وتابع قائلا "لكني اليوم أسكن مع مليوني مسلم ينادوني أبونا رائد، أعيش رسالتي معهم وأعمل مع مجلس أسر وعوائل الموصل من أجل تعزيز رسالة التعايش السلمي".
وحث قتيبة الآغا وهو عضو مسلم يرأس مجلس أسر وعوائل الموصل الاجتماعي الثقافي المسيحين الذي فروا على "العودة إلى مدينتهم وأملاكهم وأعمالهم".
وتوجه البابا بعد ذلك بطائرة هليكوبتر إلى قرة قوش، وهي منطقة مسيحية اجتاحها مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية وعادت إليها الأسر تدريجيا وبدأت في إعادة بناء منازلها المدمرة.
وزار البابا كنيسة استخدم المتشددون ساحتها للتدريب على إطلاق النار.
وبعد ذلك قاد قداسا في أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق شبه المستقل، حيث احتشد الآلاف للحضور في ستاد مكتظ.
وفي كل من قرة قوش وأربيل، تلقى البابا أحر استقبال حتى الآن في زيارته، إذ تجمع الآلاف من الناس وقد عمت الفرحة بينهم على جوانب الطرق لإلقاء نظرة على الحبر الأعظم.
ولم يكن معظمهم يرتدي كمامات رغم ارتفاع حالات الإصابة بمرض كوفيد-19 في البلاد.
وقالت فردوس زورا وهي راهبة من بين الحضور في قداس أربيل "هذه الزيارة تمنحنا الأمن والشجاعة.. وكأننا نحتفل بحياة جديدة".
وفي نهاية القداس، وهو آخر حدث رسمي للبابا قبل عودته إلى روما صباح يوم الاثنين، قال البابا للحشد "العراق سيبقى دائما معي.. في قلبي".
واختتم حديثه بالقول باللغة العربية "سلام .. سلام.. سلام".
(شارك في التغطية إليانور بايلس وأمينة إسماعيل وجون ديفيسون - إعداد ليليان وجدي سلمى نجم للنشرة العربية - تحرير أحمد حسن)