القاهرة، 26 فبراير/ شباط (إفي): أطلقت السلطات المصرية اليوم رسالة تحذير واضحة للولايات المتحدة بعدم التدخل في شئونها الداخلية، من خلال محاكمات الجمعيات الأهلية التي بدأت اليوم والمتورط بها 43 من المصريين والأجانب.
وبدأت اليوم في القاهرة محاكمة عاملين في فروع أربع منظمات غير حكومية أمريكية وواحدة ألمانية، بتهمة الحصول على تمويل أجنبي لممارسة أنشطة سياسية ولتأسيس وإدارة منظمات أهلية بدون ترخيص.
واعتبر المحللون والخبراء الذين استطلعت وكالة (إفي) أراءهم أن مصر وجهت من خلال هذه المحاكمات "لفت نظر" إلى الولايات المتحدة، لتوجيهها دعم مالي كبير إلى هذه المنظمات بعد ثورة يناير، التي نجحت في الإطاحة بنظام مبارك الحليف الأوثق لواشنطن في المنطقة، وهو ما أثار غضب المجلس العسكري الذي يدير شئون البلاد منذ الـ11 من فبراير 2011.
وفي تصريحات لوكالة (إفي) قال الكاتب الكبير عبد المنعم سعيد إن "الولايات المتحدة تبذل قصارى جهدها في مصر أكثر من اي وقت مضى، هذه المرة من خلال توجيه دعم مالي ضخم لمنظمات حقوقية معارضة للمجلس العسكري".
وقال الخبير في العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية إن "مصر لديها شعور بأن العالم كله يسعى للتدخل في شئونها، سواء دول الخليج أو إيران أو الاتحاد الأوروبي، ولكن المواجهة الأكبر كانت مع الولايات المتحدة بوصفها القوة الأكبر في العالم".
من جانبه يرى ثروت عبدالشهيد أحد محامي المتهمين، أن القضية لا تخلو من بعد سياسي، موضحا في تصريحات لـ(إفي) أنه "بدون إغفال الشق القانوني، الأمر يتعلق بأزمة في العلاقات مع الولايات المتحدة، وهو ما يضع مساعدات التنمية التي تقدمها لمصر على المحك".
وتعتبر مصر ثاني متلقي للمعونات العسكرية الأمريكية في العالم بعد إسرائيل، حيث تصل إلى 1.3 مليار دولار سنويا، بالإضافة إلى ربع مليار دولار أخرى في صورة مساعدات اقتصادية، فيما صرحت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون تعقيبا على الأزمة أن واشنطن بصدد مراجعة هذه المساعدات.
على الصعيد الداخلي انطلقت مبادرات شعبية تدعو لاستعادة السيادة المصرية والتخلي عن المعونة، كان أبرزها تلك التي أطلقها الداعية الإسلامي السلفي الشيخ محمد حسان لمقاطعة المعونة والتبرع من قبل المواطنين، لجمع مبلغ المساعدات، وقد لاقت هذه الدعوات إقبالا كبيرا.
بالرغم من ذلك قلل عبد المنعم سعيد من أهمية تأثير تبعات الأزمة على مستقبل العلاقات المصرية الأمريكية، مبرزا عمق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين منذ استئنافها في السبعينييات، والتي توجت بتوقيع اتفاق كامب ديفيد للسلام والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب، دون ان تخلو من توترات في أكثر من مناسبة.
يقول عبد المنعم سعيد "ينظر للعلاقات مع الولايات المتحدة، التي تحاول دوما فرض سيطرتها على مصر على أنها تمثل امتدادا للقوى الاستعمارية الكبيرة، بالرغم من ذلك يحرص البلدان على الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية فيما بينهما.
وكان التوتر في الماضي يتم معالجته بين الطرفين من خلال تلطيف الأجواء مع الجانب الإسرائيلي، إلا أنه وبعد الإطاحة بنظام مبارك، لم يعد سلوك القيادة الجديدة في مصر يتسم بنفس التسامح مع "الأخ الأكبر".
وفي هذا السياق يشير الخبير الاستراتيجي أن "المجلس العسكري يدرك أن كلا من مصر والولايات المتحدة يجمعهما الاحتياج المتبادل، ولكن الأمريكان يدركون الآن أكثر من أي وقت مضى أن أهميتنا بالنسبة لهم تفوق قدر أهميتهم بالنسبة لنا".
وينعكس تغير توجهات السياسية الخارجية المصرية بعد الثورة على تسارع عملية المصالحة الوطنية الفلسطينية، وبدء الاتصالات مع إيران، بما لا يتوافق مع توجهات الإدارة الأمريكية.
ويؤكد سعيد أن "قضية الجمعيات غير الحكومية لن تحسم سريعا، لأن كل بلد أرسل للآخر رسائل ذات نبرة مرتفعة، على عكس ما كان يحدث في الماضي، حيث كانت الحل يتخذ صبغة سياسية، أو حتى الاكتفاء بإدانة المتهمين المصريين فقط". (إفي) ط ز / أ ف