من مات روبنسون
جلوجوفا (البوسنة) (رويترز) - كانت بعض الجثث ملقاة على أرض الغابة بادية للعيان عندما دخل الدكتور فيدو توكو اخصائي الطب الشرعي سربرينتشا في نهاية حرب البوسنة. وبعد مرور 20 عاما مازال يواصل الحفر بحثا عن جثث أخرى.
قال توكو (48 عاما) الشهر الماضي بينما كان عامل يحفر بحثا عن عظام في ساحة منزل غير مأهول "كان الهدوء شديدا ولم يكن هناك حتى صوت العصافير. لم أتوقف قط منذ بدأت."
تحتفل البوسنة يوم السبت بذكرى مرور 20 عاما على أسوأ مذبحة في أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية والتي راح ضحيتها نحو ثمانية آلاف مسلم من الرجال والصبية على أيدي قوات صرب البوسنة خلال خمسة أيام في يوليو تموز عام 1995.
ومن المتوقع أن يشارك عشرات الآلاف في إحياء ذكرى ضحايا المذبحة وذلك بدفن رفات 136 ضحية تم التعرف على أصحابها في الآونة الأخيرة تحت شواهد من الرخام الأبيض.
وحتى الآن مازالت العظام تظهر في الغابات والأراضي الزراعية المحيطة بسربرينتشا لأكثر من ألف مفقود ألقي بجثثهم في حفر ثم استخرجت رفاتهم بعد شهور ثم تفرقت في قبور أصغر حجما على أيدي قوات صرب البوسنة التي كانت تحاول طمس معالم جريمتها.
يعتقد المحققون أن قبرا جماعيا كبيرا على الأقل لم يكتشف حتى الآن في الوقت الذي يحاكم فيه مهندسا المذبحة المتهمان رادوفان كارادزيتش زعيم صرب البوسنة إبان الحرب وقائده العسكري راتكو ملاديتش أمام محكمة جرائم الحرب التابعة للامم المتحدة في لاهاي دون أن يبديا أي ندم.
ولهذا لا تزال سربرينتشا جرحا مفتوحا ويلقي ذلك بظلاله القاتمة على البوسنة حيث يبدي كثيرون من الصرب رأيا مختلفا فيما حدث.
قالت هاجرة كاتيتش "عثرت على زوجي ودفنته. لكني لم أتوصل إلى ابني حتى الآن؟" مشيرة إلى ابنها نينو الذي كان عمره 26 عاما عندما تخلى جنود حفظ السلام الهولنديون التابعون للامم المتحدة عن سربرينتشا التي كانت ملاذا آمنا ما سمح بدخول ملاديتش في 11 يوليو تموز عام 1995.
وأضافت هاجرة "إذا لم أجده وإذا لم أجد قبرا له... فهم ينكرون وينكرون أن كل هؤلاء قتلوا. باستطاعتهم أن يقولوا غدا أننى حتى لم ألده."
وقد أصبحت سربرينتشا في نظر المسلمين من أهل البوسنة رمزا للمعاناة الجماعية. أما الصرب فيرون فيها عصا يضربهم بها العالم. ويشكك كثيرون في عدد القتلى وينكرون أن ما حدث كان إبادة جماعية مثلما قضت المحكمة التابعة للامم المتحدة.
وفي الشهر الماضي وصف ميلوراد دوديك رئيس جمهورية الصرب البوسنية التي تتمتع بالحكم الذاتي المذبحة بأنها "أكبر عملية خداع في القرن العشرين."
واستعان هو وجمهورية صربيا بروسيا حليف الصرب من القوى الكبرى لمنع صدور قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة صاغته بريطانيا لإدانة أي إنكار للإبادة الجماعية في سربرينتشا.
وكان من المقرر التصويت على مشروع القرار في المجلس يوم الثلاثاء لكنه تأجل إلى الأربعاء في ظل التهديد الروسي باستخدام حق النقض (الفيتو).
وأصر رئيس وزراء صربيا الكسندر فوتشيتش على أن مشروع القرار لن يصدر وأعلن يوم الثلاثاء أنه سيشارك في إحياء ذكرى الضحايا.
* "ابتزاز سياسي"
وقالت ديجانه جيلاكا من جامعة سانت جون في نيويورك "كبر جيل بأكمله وقد قدم له إنكار المسؤولية على أنه ‘الحقيقة‘ الوحيدة وهذا أمر محير."
وقالت جيلاكا التي تشمل أبحاثها دراسات عرقية مهمة ودراسات في الصدمات إن سربرينتشا أصبحت أداة يذكي بها الزعماء السياسيون لكل الأطراف التوترات ويسجلون نقاطا سياسية ويصرفون الانظار عن الركود السياسي والاقتصادي الذي أصبح سمة أساسية في البوسنة في السنوات العشر الأخيرة.
كما أن له دلالته فيما يتعلق بالانقسامات التي مازالت تحول دون إحراز تقدم صوب الانضمام لركب المسيرة الأوروبية.
وهذا العام طغى على الاستعدادات القبض في سويسرا خلال يونيو حزيران الماضي على ناصر أوريتش الذي قاد قوات مسلمي البوسنة في منطقة سربرينتشا وتمت تبرئته عام 2008 في لاهاي من تهمة قتل الصرب في وقت سابق من الحرب. وقد اعتقل بناء على أمر اعتقال من صربيا.
وهدد المنظمون بتأجيل دفن الرفات إذا لم يتم تسليمه للبوسنة بدلا من صربيا وهو ما حدث في نهاية الأمر.
وكتبت جيلاكا في رسالة البريد الالكتروني لرويترز "أعتقد أنه يجب أن تتمكن الأسر من إحياء ذكرى فقد أحبائها دون أن يستخدم حدادها كوسيلة للابتزاز السياسي."
وأضافت "أعتقد أن تغذية الانقسامات العرقية تخدم كل الساسة في المنطقة جيدا لأنها تصرف الأنظار عن القضية الأكثر إلحاحا وهي الواقع المادي المحفوف بالمخاطر في البوسنة وأقصد بذلك الوضع المتردي الاجتماعي والاقتصادي والفقر المتزايد."
ومن المقرر أن يدلي توكو الذي يعمل لحساب اللجنة الدولية للمفقودين ومقرها البوسنة بشهادته هذا العام في محاكمة مهمة لسبعة من الصرب في صربيا أصبحوا في مارس اذار الماضي بين أول من قيل أنهم مسلحون من سربرينتشا يلقى القبض عليهم في البلاد.
من ناحية أخرى ستنتقل اللجنة الدولية للمفقودين - التي كان لها دور رائد في استخدام الشفرة الوراثية في التعرف على الكثير من قتلى البوسنة الذين بلغ عددهم 100 ألف - إلى لاهاي لتصبح منظمة دولية كاملة تعمل في مختلف أنحاء العالم.
وسلمت خبيرة الطب الشرعي دراجانا فوسيتيتش (34 عاما) بأنها تشعر بالقلق لما قد يعنيه ذلك لعملها في البوسنة. فزيادة عدد الجثث تعني المزيد من العمل والمزيد من التمويل.
لكنها أضافت "السؤال الكبير هو ماذا سيحدث إذا لم يعثر على جثث؟"