من جورج جحا
بيروت (رويترز) - وسط أجواء من عنف آخذ في التزايد يهز أرجاء العالم ولا يفرق بين جنس أو عرق أو دين تنسج الكاتبة اللبنانية نرمين الخنسا بخيوط رقيقة مأساة إنسانية بعنوان "شخص آخر" لامرأة كان حظ ميلادها في لبنان.
ومن مظاهر العنف والقسوة التي قررت نرمين الخنسا اعادة فهمها وتفسيرها مع القارىء "الخطف" الذي يقع لأسباب مختلفة من بينها الانتقام وطلب الفدية المالية وأحيانا "المبادلة" بمخطوفين اخرين.
وتتناول الكاتبة تحديدا مرحلة ما بعد عام 2005 واغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري وما أعقب ذلك من أحداث مفجعة مثل قتل شخص خطأ بسبب الخلط بينه وبين شخص آخر أو الخطف الخطأ.
وتعبر نرمين الخنسا بصدق ومباشرة عن كيفية تحول الإنسان في هذه الأوضاع إلى مجرد "شيء" لا قيمة له إلا كونه وسيلة لتحقيق غاية ما.
واذا كان من يجري خطفه بطريق الخطأ محظوظا لانه لم يقتل ويقال عنه في لبنان "انكتب له عمر جديد" فالواقع ان هذا الشخص يكون قد خسر بسبب هذه التجربة كثيرا من عمره القديم.
وجاءت رواية نرمين الخنسا "شخص اخر" في 157 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن مؤسسة (دار سائر المشرق) في بيروت.
وقالت نرمين الخنسا لرويترز إن روايتها كانت الأكثر مبيعا بين الروايات في معرض الكتاب العربي الدولي الذي اقيم في بيروت في ديسمبر كانون الاول.
ويتسم أسلوب كتابة نرمين الخنسا بسهولة وانسياب يأخذان القارىء في رحلة تجعله يشعر خلالها انه مسافر في طريق "مستقيمة" أغلب الأحيان لا تحمل مفاجآت سوى في البداية ولا تنطوي على منعطفات إلا نادرا.
والرواية باسلوبها وربما بسبب موضوعها الذي التصق بحياة اللبنانيين وأصبح للأسف مألوفا لدى عرب آخرين تخلق في القارىء شعورا بانها تقدم إليه امورا ليست غريبة عنه بل يكاد يتكهن بها أحيانا.
وبعض ما قد يؤخذ عليها انها تقول كل شيء بمباشرة وان كانت في حالات كثيرة سهلة ومقبولة.
وتبدأ خيوط الرواية من عند مهندسة الديكور (علا) التي كانت متوجهة صباحا لمنزل صديقتها لتناول الافطار وفي الطريق تطاردها سيارة رباعية الدفع ينزل منها أشخاص اختطفوها وكمموا فمها وعصبوا عينيها.
إنها الآن محتجزة في مكان قذر مظلم ولا تعرف ما اذا كان مصيرها القتل أو الاغتصاب أو أي أمر اخر. وتحدث (علا) القارىء عن خوفها وقلقها وحالتها النفسية السيئة لكن بقدر لم يأت متناسبا تماما مع المحنة التي كانت تمر بها.
وتفضفض خلال محنة الاحتجاز بأحلامها وخيباتها وحنينها إلى العالم الذي حرمت منه وأيام إنتظار القتل أو الاغتصاب أو طلب الفدية. إنها هنا تصور بنجاح تحول الإنسان إلى كائن عاجز يائس لا حول له ولا قوة ولا يعرف سببا للبلوى التي حلت به فجأة.
ومع نهاية المحنة وعودة (علا) للحياة من جديد تتجلى المأساة بعد أن تكتشف انها لم تكن الشخص المقصود.
وأخيرا لا بد من ملاحظة بل مفارقة وهي ان الكاتبة المعادية للتعصب الطائفي والمذهبي - كما عرف عنها وكما تشهد روايتها - جاءت بجميع شخصيات هذه الرواية إسلامية من المذهبين الرئيسيين وكأنها تتكلم عن عالم منفصل بعضه عن بعض بينما تهاجم في روايتها كل سمات الإنغلاق والانفصال.
وسبق أن صدرت للكاتبة روايات (مرآة عشتروت) في 2002 و(هذيان ذاكرة) في 2005 و(ساعة مرمورة) في 2008 و(نصيبك في الجنة) 2011 و(آدم وحواء) في 2011 التي كتبتها بالمشاركة مع نزار دندش.