السر الثاني لحركة أسعار الذهب

بواسطةIKON FX
تم النشر 17/06/2014, 11:26

ناقشنا في المقال السابق عن أسرار حركة أسعار المعدن الثمين والعوامل التي تقف وراءها العامل الأول ألا وهو تكلفة الاستخراج والإنتاج لكل أونصة من الذهب. اليوم سنطرح موضوعا لا يتعلق بالعوامل الأساسية (الحقيقية) بل يخضع لرأي أو (أمر) قلة من المسيطرين على تجارة الذهب اليومية والتي تقدر بنحو 20 تريليون دولار يوميا.


هل سمعت بمؤشر تثبيت ذهب لندن؟
أولا، لماذا لندن؟ الجواب ببساطة لأنها كانت آنذاك –أي في العام 1919- مركزا ماليا عالميا بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وأرادت تثبيت هذا المركز ودعمه. فطلب محافظ بنك انجلترا من كبار المصرفيين تأسيس سوق مفتوحة لبيع وشراء الذهب من قبل المستثمرين وكان له ما أراد، فبرئاسة بنك روتشيلد وعضوية أربعة بنوك أخرى، عُقدت أولى جلسات تثبيت سعر الذهب حيث وضع بنك روتشيلد سعر 4.92 جنيها استرلينيا كسعر أولي لأونصة الذهب. وقد أرادت البنوك الأربعة شراء كامل الكمية المعروضة فارتفع السعر بنسين ليعكس الطلب القوي وتم التثبيت عند 4.94 استرليني أي 20.67 دولار أميركي. وهكذا ولد هذا المؤشر الجديد (الثابت أو المثبّت) لسعر الذهب، والذي قارب عمره 95 عاما اليوم.

قبل أن أخوض في التفاصيل الخفية لمؤشر ذهب لندن سأعطي فكرة سريعة عن آلية عمله. حيث يجتمع أعضاء المؤشر الخمسة وهم حاليا: بنك HSBC وبنك باركليز البريطانيان و بنك سوسيتيه جنرال الفرنسي ودويتشه بنك الألماني وبنك أوف نوفا سكوتيا الكندي، يجتمعون مرتين يوميا عبر مكالمة هاتفية سرية في الساعة 10:30 صباحا والساعة 3:00 مساءً بتوقيت لندن (الاجتماع كان حتى 2004 يتم في مقر بنك روتشيلد لكنه تخلى عن مقعده لبنك باركليز في 2004 مقابل مليون دولار!). ويجري مايلي: يقوم الرئيس وهو منصب يُتداول بين الأعضاء سنويا، يقوم باقتراح سعر مبدئي لأونصة الذهب (يكون عادة قريب من سعر السوق، إلا في حالات معينة ) ثم تتشاور البنوك الأخرى مع عملائها وهم البنوك المركزية والمؤسسات المالية وتجار الذهب وشركات المناجم، وتقدم عروضها للرئيس فبعضهم يشتري وبعضهم يبيع على السعر المقترح. وفي حال كان الجميع بائعا يتم تخفيض السعر من قبل الرئيس والعكس وبالعكس وتستمر المكالمة الهاتفية في المتوسط 15 دقيقة حتى يتم التوصل لسعر يرضي البنوك الخمسة (وعملائهم)! . ويتم استخدام سعر تثبيت لندن كسعر مرجعي لتداول عقود الذهب المستقبلية وكافة أنواع المشتقات المالية المرتبطة بالمعدن. مع العلم أن التثبيت كان يتم مرة واحدة يوميا حتى عام 1968 عندما بدأت البنوك الخمسة تجتمع في وقت افتتاح الأسواق الأميركية (لتصيد الفرص وتستغل أو تتنبأ بتغيرات سعر الذهب في السوق الأميركي).


وهذه معلومة طريفة لفتت نظري: أطول مكالمة هاتفية لتثبيت سعر الذهب في لندن استمرت ساعتين وستة وعشرين دقيقة والسبب؟ عملاء أحد البنوك الخمسة كان بنكا مركزيا لدولة في الشرق الأوسط وطلب شراء 15 طنا من الذهب ولم يتم الاتفاق على السعر إلى بعد وقت وجهد طويلين.

أول مخالفة منذ 95 عاما
الأمور والمعلومات السابق ذكرها تبدو عادية ومنطقية ولا تدعو للقلق، ولكن ما فجّر المخاوف وطرح التساؤلات هو ما حدث قبل أشهر عندما تخلى دويتشه بنك عن مقعده في المجلس بعد أن فشل في إيجاد بديل له! (والحديث اليوم عن نية بنك جنوب افريقي الدخول بدلا عنه). وقبل أقل من شهر ولأول مرة منذ 95 عاما تم تغريم بنك باركليز البريطاني 44 مليون دولار كمخالفة لتلاعبه بسعر الذهب أثناء اجتماع تثبيت لندن! الأمر الذي دفع السلطات المالية والقضائية للتحقيق في نزاهة مجلس ذهب لندن وطالت التحقيقات أيضا دويتشه بنك والذي قرر (الهروب) على مايبدو قبل أن يتم فضحه!!
بنك باركليز كما يُقال في مجال الجرائم "ضُبط متلبسا" بتخفيضه سعر أونصة الذهب عمدا في جلسة التثبيت وذلك لكي لا يضطر أن يدفع 3.5 مليون جنيه استرليني لأحد العملاء الذي اشترى options أو خيارات من البنك بسعر تنفيذ 1558 دولار للأونصة في يونيو 2012 . وقد تم ضبط "إيميل" من مدير حساب هذا العميل إلى زملائه في لجنة السلع يقول فيه أنه يتمنى أن يتراجع السعر قليلا عن هذا المستوى. وبالفعل هذا ما حصل خلال جلسة التثبيت ليعود السعر بعدها للارتفاع!. وقد تم تغريم هذا المدير بأكثر من 100 ألف دولار ومنعه العمل في الأسواق المالية.


تداولات غير اعتيادية
هذه "الفضيحة" وغيرها من قضايا التلاعب بأسعار الفائدة وأسعار الصرف دفعت الباحثين إلى تكثيف جهودهم في محاولة لكشف أي أخطاء أخرى قد تزيد الطين بلة، وهذا ما حصل. فقد اكتشف عدد من أساتذة جامعة في كل من نيويورك واستراليا ما أسموه "نماذج غير اعتيادية" لحركة أسعار الذهب في الدقائق الأولى لمكالمة تثبيت السعر مرتين في اليوم مترافقة مع ارتفاع بأكثر من 50% في قيم التداول. هذه الحركات الغريبة هي عبارة عن تذبذب صعودا وهبوطا بحدة إلى أن يصل السعر لأعلى أو أدنى نقطة ثم يتم التثبيت على هذا السعر. "أي أن سعر التثبيت يُعرف قبل دقائق من موعده" وهذا مؤشر خطير لهذه البنوك التي ستكسب مليارات هي وعملاءها من وراء معرفتها بسعر المعدن قبل تثبيته! وللعلم أيضا فإن عدد الدعاوى القضائية المرفوعة على البنوك الخمسة تجاوزت 23 قضية في تاريخ كتابة هذا المقال معظمها من قبل صناديق تقاعد وشركات خسرت في تجارتها للذهب "بدون سبب واضح"!!


أنا شخصيا راقبت المخطط البياني لأونصة الذهب على مدى أسبوعين قبل كتابة هذا المقال وقد لاحظت فعلا الحركة غير الاعتيادية حيث يتوقف المؤشر عن التحرك لعدة ثوان ثم يقفز دولارين أو ثلاثة وأحيانا أكثر بحسب البيانات الاقتصادية المتوقعة لليوم نفسه. مع العلم أنها قد تشكل للمضارب الذكي فرصة كبيرة للاستفادة من هذا التذبذب الكبير لكن الواضح. كما لاحظت ارتفاع التذبذب اليومي بقوة منذ العام 2004 (أي العام الذي انضم فيه بنك باركليز إلى المؤشر بدلا من روتشيلد) مع العلم أن أونصة الذهب قفزت نحو خمسة أضعاف منذ ذلك الحين!! وهذا بالتأكيد ليس اتهاما للبنك لكنه قراءة حيادية لتشارت الذهب!!!
سأختم بمعلومة مرتبطة بما ذكرت. حيث هناك مؤشر أيضا لتثبيت أسعار الفضة في لندن وهو أعرق من مؤشر الذهب فعمره 117 عاما ويتم بنفس الآلية. لكن ما يدفع للشك هو أن هذا المؤشر سيتم الاستغناء عنه في أغسطس المقبل أي بعد أقل من شهرين!! فما سر هذه التحركات على مستوى السلع الثمينة هذا العام؟ بنوك كبرى تتخلى عن أقسام تجارة السلع كبنك جي بي مورغان وأخرى تنسحب من أهم منصب في تثبيت أسعار الذهب (دويشه بنك) وأخرى "تتلاعب" بسعر الذهب. فإلى أين الاتجاه؟ هل نصمد خمس سنوات أخرى في مؤشر الذهب ليعمر 100 عام أم سيصمد إلى 117 عاما كمؤشر الفضة؟ أم أن الإنهيار أقرب من ذلك؟


يقول مراقبون أن مؤشر تثبيت ذهب لندن دفع الأسعار خلال العامين الماضيين إلى الانخفاض عن سعرها "العادل" لتحقيق مصالح البنوك الكبرى (الخمسة) وعملائها والذي فضلوا الأسهم على الذهب فباعوا المعدن الثمين واستفادوا من هبوط الأسعار. وهذا يعني برأيي عودة أسعار الذهب إلى الارتفاع الطبيعي في حال انهيار هذا المؤشر الهَرِم.


للعلم فقط: في حال أردنا العودة إلى قاعدة الذهب أي أن تكون الدولارات المصدرة مغطاة بالكامل بالذهب (وهو من الصعوبة أو من شبه المستحيل العودة إليها) فستكون القيمة الحقيقة لأونصة الذهب هي 15300 دولار! كيف ذلك؟ بتقسيم الدولارات الموجودة في التداول وهي 4 تريلليونات على ما تملكه أمريكا من ذهب وهو 261 مليون أونصة!.

حسام سابا – كاتب اقتصادي
متخصص في الأسواق العالمية والعملات والسلع
معد الأخبار الاقتصادية في قناة العربية الإخبارية

أحدث التعليقات

جاري تحميل المقال التالي...
قم بتثبيت تطبيقاتنا
تحذير المخاطر: ينطوي التداول في الأدوات المالية و/ أو العملات الرقمية على مخاطر عالية بما في ذلك مخاطر فقدان بعض أو كل مبلغ الاستثمار الخاص بك، وقد لا يكون مناسبًا لجميع المستثمرين. فأسعار العملات الرقمية متقلبة للغاية وقد تتأثر بعوامل خارجية مثل الأحداث المالية أو السياسية. كما يرفع التداول على الهامش من المخاطر المالية.
قبل اتخاذ قرار بالتداول في الأدوات المالية أو العملات الرقمية، يجب أن تكون على دراية كاملة بالمخاطر والتكاليف المرتبطة بتداول الأسواق المالية، والنظر بعناية في أهدافك الاستثمارية، مستوى الخبرة، الرغبة في المخاطرة وطلب المشورة المهنية عند الحاجة.
Fusion Media تود تذكيرك بأن البيانات الواردة في هذا الموقع ليست بالضرورة دقيقة أو في الوقت الفعلي. لا يتم توفير البيانات والأسعار على الموقع بالضرورة من قبل أي سوق أو بورصة، ولكن قد يتم توفيرها من قبل صانعي السوق، وبالتالي قد لا تكون الأسعار دقيقة وقد تختلف عن السعر الفعلي في أي سوق معين، مما يعني أن الأسعار متغيرة باستمرار وليست مناسبة لأغراض التداول. لن تتحمل Fusion Media وأي مزود للبيانات الواردة في هذا الموقع مسؤولية أي خسارة أو ضرر نتيجة لتداولك، أو اعتمادك على المعلومات الواردة في هذا الموقع.
يحظر استخدام، تخزين، إعادة إنتاج، عرض، تعديل، نقل أو توزيع البيانات الموجودة في هذا الموقع دون إذن كتابي صريح مسبق من Fusion Media و/ أو مزود البيانات. جميع حقوق الملكية الفكرية محفوظة من قبل مقدمي الخدمات و/ أو تبادل تقديم البيانات الواردة في هذا الموقع.
قد يتم تعويض Fusion Media عن طريق المعلنين الذين يظهرون على الموقع الإلكتروني، بناءً على تفاعلك مع الإعلانات أو المعلنين.
تعتبر النسخة الإنجليزية من هذه الاتفاقية هي النسخة المُعتمدَة والتي سيتم الرجوع إليها في حالة وجود أي تعارض بين النسخة الإنجليزية والنسخة العربية.
© 2007-2025 - كل الحقوق محفوظة لشركة Fusion Media Ltd.