يتوقع صندوق النقد الدولي في تقريره "آفاق الاقتصاد العالمي" الذي صدر مؤخراً بأن يرتفع النمو العالمي ارتفاعاً طفيفاً فقط في عام 2015 إلى 3,5% من ما يقدر بنسبة 3,4% في عام 2014. كما يتوقع أن تكون القوة الدافعة للنمو العالمي هي الأسواق الناشئة، والتي يقدّر لها أن تنمو بنسبة 4,3% في عام 2015. وفي نفس الوقت، من المقدّر أن تنمو الاقتصادات المتقدمة بنسبة 2,4% مع استمرار ظلال الأزمات السابقة في التأثير على آفاق المستقبل. وبالرغم من أنه يتوقع للنمو أن يجيء بنسبة 3,5%، إلا أن الصورة ستتباين بحسب المنطقة والبلد.
ثمة عاملان هيمنا مؤخرا على الاقتصاد العالمي. أولاً، الهبوط الحاد في أسعار النفط التي تراجعت إلى النصف تقريباً منذ منتصف عام 2014. وكان مردّ هذا الانخفاض في أسعار النفط في الغالب نتيجة لصدمة العرض. فقد أضاف النفط الصخري في الولايات المتحدة ما مقداره 1,4 مليون برميل يومياً في عام 2014، وهو أكثر بكثير مما كان متوقعاً. وإضافة لذلك، قررت منظمة الأوبك الحفاظ على انتاجها عند مستوى 30 مليون برميل في اليوم في وقت توقع فيه بعض المشاركين في السوق أن تلجأ المنظمة لإحداث خفض في الإنتاج لإعادة التوازن إلى السوق.
ثانياً، التحركات الكبيرة في أسعار الصرف. فضمن الاقتصادات المتقدمة، شهد كل من اليورو والين انخفاضاً كبيراً في حين ارتفعت قيمة الدولار الأمريكي بقوة. وفي الأسواق الناشئة، شهدت العملات التي ترتبط بالدولار الأمريكي، مثل الرنمينبي الصيني، ارتفاعاً في قيمتها أيضا مقابل العملات الأخرى. وقد كان الدافع وراء التحركات الحادّة في أسعار الصرف هو تباين السياسات النقدية حول العالم. فبينما يتوقع أن يرفع بنك الاحتياطي الفيدرالي الامريكي أسعار الفائدة في وقت لاحق من هذا العام، تنخرط منطقة اليورو واليابان في اعتماد برامج ضخمة للتيسير الكمي. وبالتزامن مع تراجع أسعار النفط وانخفاض معدلات التضخم، دفعت السياسة النقدية الميسرة في كل من منطقة اليورو واليابان أكثر من أربع وعشرين من البنوك المركزية في أنحاء العالم إلى خفض أسعار الفائدة خلال الأسابيع الأخيرة.
تقديرات النمو لصندوق النقد الدولي
(%)
المصادر : صندوق النقد الدولي، وتحليلات إدارة الاقتصاد بـ QNB
إن لتحركات أسعار النفط وأسعار الصرف آثار هامة من حيث التوزيع. فانخفاض أسعار النفط يحوّل الدخل من الدول المصدرة للنفط إلى تلك المستوردة له، فيما تعمل تحركات سعر الصرف على تحويل النمو من البلدان التي ترتفع قيمة عملاتها إلى تلك التي تنخفض قيمة عملاتها. ومن المرجّح أن تهيمن الآثار التوزيعية لهاتين القوتين على الوضع العالمي وما يترتب على ذلك من خلق فائزين وخاسرين في الاقتصاد العالمي.
تخسر الولايات المتحدة من قدرتها التنافسية بفعل الزيادة الكبيرة في قيمة الدولار الأمريكي. فمنذ يونيو 2014، ارتفع سعر الصرف الحقيقي للدولار بنسبة 11,5% ملحقاً الضرر بالصادرات الأميركية وأرباح الشركات. ومن ناحية أخرى، من المتوقع أن يعود انخفاض أسعار النفط بالنفع على الاقتصاد الأمريكي من خلال زيادة الدخل المتاح للمستهلكين للإنفاق على البنود غير النفطية. كما يُرجح أيضا أن يستفيد الاقتصاد الأمريكي من الأداء القوي لسوق العمل (انظر لتحليلنا الاقتصادي بتاريخ 12 ابريل 2015). ونتيجة لذلك، يتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل النمو في الولايات المتحدة إلى نسبة 3,1% في عام 2015، مقارنة بنسبة 2,4% في عام 2014.
ربما تكون منطقة اليورو هي المستفيد الأكبر من الآثار التوزيعية لانخفاض أسعار النفط وتحركات أسعار الصرف. فالمنطقة هي بالأساس منطقة مستوردة للطاقة، وبالتالي فقد تعزز دخلها الحقيقي بفضل انخفاض أسعار النفط. وعلاوةً على ذلك، انخفضت قيمة اليورو بنسبة 23,0% منذ مارس 2014، الأمر الذي دعم صادرات المنطقة. ومع ذلك، فإن مخاطر حدوث انكماش لا تزال كبيرة (يقدر صندوق النقد الدولي احتمال حدوث انكماش مستمر في منطقة اليورو بحوالي 25%) والمنطقة لا تزال تتعافى من آثار أزمة ديونها السيادية في عام 2012. وعموماً، يتوقع صندوق النقد الدولي أن يتسارع النمو في منطقة اليورو ولكن أن يظل ضعيفاً عند 1,5% في عام 2015.
كما يُرجح أن تستفيد الصين أيضاً من انخفاض أسعار النفط. غير أن قيمة الرنمينبي، التي تتم إدارتها بحيث تبقى مستقرةً مقابل الدولار الأمريكي، ارتفعت مقابل معظم العملات العالمية، مما يضر بالصادرات الصينية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الاقتصاد الصيني آخذ في التباطؤ حيث تحاول السلطات تغيير نموذج النمو من اقتصاد مدفوع بالاستثمار إلى اقتصاد يقوده الاستهلاك. ونتوقع أن يتباطأ النمو ليستقر عند 7,0% في عام 2015 ( من 7,4% في عام 2014) متوافقاً مع النسبة الحكومية المستهدفة (انظر تقريرنا الصين – رؤية اقتصادية 2015). كما أن للتباطؤ في الاقتصاد الصيني وأسعار السلع غير المعمرة آثار سلبية على الأسواق الناشئة الأخرى، خاصةً البرازيل وروسيا.
من المرجح أن تكون دول مجلس التعاون الخليجي محصنة من الانخفاض في أسعار النفط وذلك لثلاثة أسباب. أولا، حققت معظم الحكومات ادخارات كبيرة خلال الطفرة النفطية الأخيرة. ثانياً، إن النمو في بعض دول مجلس التعاون الخليجي، مثل قطر والإمارات العربية المتحدة، مدفوع بشكل رئيسي بالاستثمارات الكبيرة في القطاع غير النفطي. ثالثاً، دول مجلس التعاون الخليجي لديها مستويات منخفضة من الدين العام تسمح لها بالاقتراض بأسعار منخفضة لتمويل أي عجز قصير المدى في ميزانياتها. ونتيجة لذلك، من المتوقع أن تحقق دول مجلس التعاون الخليجي نمواً بنسبة 3,4% في عام 2015 على الرغم من انخفاض أسعار النفط.