إن التباطؤ في نمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين يزيد من ضعف الطلب على السلع، وهو ما يسهم بدوره في إحداث مزيد من الانخفاض في أسعار السلع. ووفقاً للمكتب الوطني للإحصاء في الصين، تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى 7.4٪ في عام 2014، أقل من النسبة الحكومية المستهدفة التي تبلغ 7,5٪، كما أنها نسبة النمو السنوي الأقل على الإطلاق خلال 24 سنة. لتحفيز النمو.
تحاول الحكومة دفع الاقتصاد باتجاه نموذج نمو يعتمد على الاستهلاك، ولكن ذلك قد يستغرق بعض الوقت (أنظر لتقريرنا الاقتصادي حول الصين 2014). ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يستمر هذا التباطؤ ، وهو ما قد يؤدي إلى دفع أسعار السلع لأسفل أكثر خلال عام 2015 وما بعده. ومن المرجح أن يفاقم ذلك من الضغوط الانكماشية التي تهدد تعافي الاقتصاد العالمي (أنظر تحليلنا الاقتصادي بتاريخ 25 يناير 2015).
لقد جاء تباطؤ النمو في الصين نتيجةً الاستثمار المفرط في الماضي وما نجم عنه من فائض في الطاقة الانتاجية للاقتصاد. وأسهم فرط الاستثمار في هبوط أسعار المنازل وتفاقم المخاطر في نظام الظل المصرفي الذي يسهم أيضاً في كبح النمو.
وقد قدمت الحكومة حزمة هامة من تدابير التحفيز لدعم نمو الاقتصاد بما في ذلك الاعفاءات الضريبية، وتمويل بناء مساكن المواطنين، وتسريع الإنفاق الاستثماري، وخاصة طرق السكك الحديدية السريعة. وفي نفس الوقت، قام البنك المركزي الصيني بحقن النظام المصرفي بمقادير ضخمة من السيولة وخفف من السياسات المالية لتفادي حدوث أزمة نتيجة التضييق على بنوك الظل.
وتعتمد الحكومة في المدى المتوسط على الإصلاحات الهيكلية من أجل تحفيز النمو وذلك عبر التحول إلى اقتصاد يعتمد أكثر على السوق وإلى نموذج نمو مبني على الاستهلاك لا الاستثمارات الحكومية.
ولتحقيق هذا الهدف، تخطط الحكومة إلى تحرير أسعار الفائدة والقطاع المالي بشكل عام، وتسعير السلع والخدمات بناء على السوق، والسماح بقدر أكبر من الملكية الخاصة في الشركات المملوكة للدولة، والتخفيف من الضوابط على الهجرة من االريف.
علاوة على ذلك، من شأن الخطط الهادفة لإطلاق خدمة التقاعد والتأمين الصحي أن تشجع المستهلكين على إنفاق بعض من مدخراتهم، خصوصاً وأن الضرائب المنخفضة والحد الأدنى للأجور يهدفان إلى رفع دخل المستهلكين. ومع مرور الوقت، قد تؤدي هذه التدابير إلى تغيير نموذج النمو الاقتصادي في الصين حيث سيكون الاستهلاك الخاص المساهم الرئيسي، لكن ذلك سيستغرق وقتا.
وفي المدى القصير، تكافح الصين للتمكن من التحول إلى نموذج النمو المبني على الاستهلاك حيث ظلت حصة الاستهلاك الخاص من الناتج المحلي الإجمالي مستقرة عموماً عند حوالي 36٪ منذ 2007.
بينما في الاقتصادات المتقدمة، تكون حصة الاستهلاك من الناتج المحلي مرتفعة جداً في العادة. فعلى سبيل المثال، تبلغ هذه الحصة في الولايات المتحدة حوالي 70٪. وقد شهد نمو الاستهلاك الخاص في الصين انخفاضاً بموازاة التباطؤ الاقتصادي العام. وتراجع الإنفاق في قطاع التجزئة بشكل مستمر من نسبة 19٪ في 2010 إلى 12٪ عام 2014 (على أساس اسمي). ويشير ذلك إلى أن التحول سيجعل من تباطؤ النمو أمرا حتمياً.
مستقبلاً، من المرجح ان يتباطأ الاستهلاك الخاص. ويمكن أن تهتز ثقة المستهلك بفعل تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي واحتمال ارتفاع معدلات البطالة (تبلغ حالياً 4.1٪). كما يمكن لمخاطر القطاع العقاري أن تشكل عبئاً إضافياً، حيث أن جزءاً كبير اً من ثروات الأسر مرتبط بالعقارات، ومع هبوط أسعار العقارات في جميع أنحاء الصين، يمكن لذلك أن يؤدي إلى تقييد أكبر للاستهلاك الخاص.
ومع تباطؤ الاستهلاك الخاص والاستثمار على حد سواء، يتوقع أن يستمر تباطؤ النمو، على الرغم من اجراءات التحفيز الحكومية. فبحسب أحدث توقعات صندوق النقد الدولي التي صدرت الأسبوع الماضي، يُرجح للنمو أن يتباطأ إلى 6.8٪ في عام 2015 و 6.3٪ في عام 2016. وبناء على العلاقة التاريخية بين نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الصين والسلع العالمية.
من المرجح أن يقود تباطؤ النمو وضعف الطلب في الصين إلى انخفاض أسعار السلع العالمية بنحو 11٪ في عام 2015 و 5٪ في عام 2016، وهو ما يتماشى إلى حد كبير مع أحدث توقعات صندوق النقد الدولي بشأن أسعار السلع الأساسية. ويمكن لهذا الأمر أن يزيد من الضغوط الانكماشية حول العالم والتي تسهم في ما أطلقنا عليه الانكماش الكبير لعام 2015.