على الرغم من البداية الضعيفة للاقتصاد العالمي منذ مطلع العام، من المتوقع أن تستمر الاقتصادات الآسيوية في النمو السريع في 2015. ونتوقع أن يبلغ متوسط النمو الاقتصادي نسبة 5,7% في عام 2015، وهو نفس معدل عام 2014. لكن هذه الصورة تحجب تباينات كبيرة في الأداء بين البلدان الآسيوية بحسب درجة تأثر كل دولة بالمشكلات الاقتصادية العالمية. فالهند وميانمار تبرزان كبقعتين مضيئتين في عام 2015، في حين يتوقع تباطؤ النمو في كل من الصين واندونيسيا وماليزيا وسنغافورة، نظراً لأن هذه الاقتصادات هي الأكثر عرضة لضعف الاقتصاد العالمي. وباستشراف المستقبل، من المرجّح أن يستمر هذا التباين في النمو مع مواصلة الدول الأقل اعتماداً على الطلب الخارجي (الهند وميانمار) في الأداء بمعدلات أفضل من غيرها.
*معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للهند مقدّرة للسنة المالية 2014/2015 المنتهية في 31 مارس 2015 والسنة المالية 2015/2016 المنتهية في 31 مارس 2016
** معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لميانمار للسنة المالية 2013/2014 المنتهية في 31 مارس 2014 والمعدلات المقدّرة للسنة المالية 2014/2015
المصادر: صندوق النقد الدولي، وتحليلات وتوقعان مجموعة QNB
في المرحلة الحالية، تعدّ الهند ألمع بقعة في قارة آسيا. ومن المتوقع أن يؤدي تنفيذ الأجندة الإصلاحية الطموحة لرئيس الوزراء مودي أن يطلق العنان لإمكانات النمو في الهند. وقد حددت الميزانية التي تم الإعلان عنها مؤخرا ثلاثة مجالات رئيسية للإصلاح: (1) معالجة اختناقات الإمداد، (2) تخفيض فاتورة الدعم، (3) وإدخال العمل بنظام موحّد للضرائب الاتحادية للسلع والخدمات (انظر تقريرنا: الهند- رؤية اقتصادية 2014). وعموما، تتوقع الحكومة أن تتمخض هذه الإصلاحات عن معدلات نمو بنسبة 8,0-8,5% للسنة المالية 2015/2016، مقارنة مع ما يقدر بنسبة 7,5% للسنة المالية 2014/2015. وإذا تم تنفيذ هذه الإصلاحات الرئيسية الثلاثة بشكل كامل، فإننا نتوقع أن تتحقق معدلات النمو المذكورة، وهو ما سيجعل من الهند واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم.
بدأت ميانمار في الانفتاح على بقية الاقتصادات العالمية بعد عقدين من العقوبات الاقتصادية الدولية والافتقار إلى الاستثمارات. ونتيجة لذلك، يتوقع صندوق النقد الدولي أن يرتفع النمو في ميانمار إلى نسبة 7,8% في السنة المالية 2014/2015، مقارنة مع 8,3% للسنة المالية 2013/2014 مع عمل الإصلاحات الهيكلية على اجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشر ة لقطاع البنية التحتية والقطاعات المالية والصناعية. ومع ذلك، فإن ميانمار لا تزال بحاجة إلى تنفيذ إصلاحات هيكلية هامة لتحسين سهولة ممارسة أنشطة الأعمال. ومستقبلاً، تظل توقعات النمو مواتية بالرغم من استمرار المخاطر السلبية.
أخفقت الصين في تحقيق نسبة النمو المستهدفة لعام 2014 والتي تبلغ 7,5% بفارق 0,1% (المرة الأولى التي تحقق فيها نمواً أقل من المستوى المستهدف منذ عام 1998)، وذلك بصفة أساسية نتيجة تباطؤ نمو الاستثمار، وضعف الطلب العالمي على الصادرات الصينية وانخفاض النمو في الاستهلاك الخاص. وفيما يخص المستقبل، أعلنت الحكومة عن نمو مستهدف بحدود 7,0% لعام 2015 على خلفية ضعف الطلب المحلي والمخاطر الانكماشية القوية (انظر تحليلنا الاقتصادي بتاريخ 15 مارس 2015). ونتوقع أن يكون النمو أقل قليلا من نسبة 7,0% بسبب الأوضاع المحلية والأجنبية غير المواتية.
في الفلبين، يتحرك الاقتصاد بقوة، وذلك بدعم من التحويلات الضخمة من العاملين في الخارج والأوضاع النقدية والمالية الملائمة. وبالنظر إلى الأمام، يتوقع لانخفاض أسعار النفط أن يكون عاملاً محفزاً للنمو، بينما يرجّح أن يتباطأ معدل التضخم. ويقدّر صندوق النقد الدولي أن يرتفع النمو في الفلبين بنسبة 6,3% في عام 2015، من نسبة 6,2% في عام 2014.
في فيتنام، تحسن أداء الاقتصاد في عام 2014 مدعوما بقوة الصادرات والاستثمار الأجنبي المباشر. ولكن الطلب المحلي لا يزال ضعيفا، ويعود ذلك جزئيا إلى ضيق الظروف المالية وقلة كفاءة الشركات المملوكة للدولة. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الاقتصاد الفيتنامي بنسبة 5,6% في عام 2015، مقارنة مع 5,5% في عام 2014.
يتباطأ أداء الاقتصاد الماليزي نتيجة لانخفاض أسعار النفط وضعف الطلب المحلي. وللتعويض عن الانخفاض في اسعار النفط، قامت الحكومة بتنفيذ عملية ضبط مالي كبير يتوقع أن تظهر أثارها على النمو في عام 2015. ونتيجة لذلك، يتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو اقتصاد ماليزيا بنسبة 4,8% في عام 2015، مقارنة مع نسبة 5,9% في عام 2014.
لا تزال اندونيسيا تواجه تحديات كبيرة في ظل انخفاض أسعار السلع العالمية والظروف المالية الضاغطة. ونتيجة لذلك، فإننا نتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي في إندونيسيا إلى 4,5% في عام 2015 حيث أن الزيادة في قيمة الديون المقوّمة بالدولار والتأثير السلبي لقوة عملة الدولار الأمريكي عاملان يشكلان عبئاً إضافياً على النمو، مما يجعل من الصعب تنفيذ برنامج الاستثمار الحكومي (انظر تحليلنا الاقتصادي بتاريخ 24 فبراير 2015).
في سنغافورة، أخذ النشاط الاقتصادي في التباطؤ على نحو يعكس آثار الضعف في الاقتصاد العالمي فضلا عن انخفاض أسعار الاستثمارات المحلية والعقارات. ونتوقع نموا بنسبة 2,5% في عام 2015، مقارنة مع 3,0% في عام 2014، على خلفية تباطؤ الطلب العالمي وتراجع الإنفاق الاستثماري المحلي.
وعموما، من المتوقع أن تستمر الاقتصادات الآسيوية هذا العام على مسار نمو مماثل لما كانت عليه في عام 2014. ولكن الأوضاع المتفاقمة للاقتصاد العالمي تشير إلى احتمال قيام مخاطر حقيقية في مواجهة العديد من الدول الآسيوية الأكثر عرضة لآثار التجارة العالمية. ومن المرجّح لعوامل التباطؤ المتوقع في النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة خلال الربع الأول، والانكماش في الاقتصادات المتقدمة، واحتمالات ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، وانخفاض أسعار السلع الأساسية أن تسهم في حدوث تباطؤ كبير في الطلب الخارجي على الصادرات الآسيوية وتراجع في الطلب المحلي. ونتيجة لذلك، من المتوقع أن تكون كل من إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة هي الدول الأكثر عرضة للمزيد من التباطؤ، في حين يتوقع لكل من الهند وميانمار أن تكونا الأقل عرضة لتباطؤ النمو. وبالرغم من كل ذلك، من المرجّح أن تظل قارة آسيا هي المنطقة الأسرع نمواً في العالم في عام 2015.