عندما تكون الأسواق سائرةً في اتجاه معين (تراجع أو ارتفاع) لن يكون هناك الكثير ممن يهتمون بالتفاصيل وسط حالة الزخم التي تقود الأسواق وخاصةً اذا كانت متشعبةً في يومياتها مابين السياسة والاقتصاد والأرقام الاقتصادية الداخلية المؤثرة وصناع السياسة المالية وغيرهم, لن يكون لدى الكثيرين الوقت الكافي للتمعن في تفاصيل أخرى تبدأ باعطاء اشارات بسيطة ولكنها قد تكون هامةً للغاية. هذا الكلام لا يعني بالضرورة أن الأزمة أو التصحيح القاسي للأسعار أو حتى انفجار فقاعة اقتصادية بات قريباً , لكنه سيكون من المهم أن ننصت الى أرقام تنبهنا أن استمرارية الحال من المحال كما يقول المثل . مناسبة هذا الكلام أن أرقام قطاع الاسكان والمنازل الأمريكي بدأ باعطاء اشارات أولية لكنها هامة للغاية , وقطاع الاسكان الأمريكي يشمل عدة بيانات هامة , مبيعات المنازل الجديدة والقائمة حالياً , مؤشر أسعار المنازل,مؤشر المنازل التي تم البدء ببنائها حالياً ,اضافةً الى معدلات القروض العقارية الممنوحة.
تراجعت أرقام مبيعات المنازل القائمة حالياً في أميركا الى 5.34 مليون منزل وهو رابع تراجع شهري على التوالي ,بينما أشار مؤشر أسعار المنازل الى نمو بنسبة 0.2% خلال شهر حزيران الفائت متراجعاً من 0.4% خلال أيار وأقل من 0.3% خلال شهر نيسان الفائت. بينما كانت مبيعات المنازل الجديدة قد وصلت الى 627 ألف منزل خلال تموز الفائت متراجعةً للشهر الثالث على التوالي . في نفس الوقت حدث تراجع في أرقام المنازل التي تم البدء ببنائها , وترجعت في تموز الفائت الى 1.16 مليون منزل بينما كانت 1.32 مليون في أيار ووصلت الى 1.15 في حزيران الفائت(تراجع قوي بين حزيران وأيار) ,هذا ماتقوله الأرقام الرسمية الأمريكية .
السؤال الآن ماذا يهمنا من كل هذه الأرقام , وكيف يمكن للمتداولين أن يتأثروا بها ؟ من المهم أن نشير الى أن قطاع الاسكان بشكل عام لديه حساسية عالية لارتفاع أسعار الفائدة وقوة الدولار الأمريكي التي ستضغط على معدلات الاقراض وعليه فقد نتوقع مزيداً من التراجع في أرقام القروض العقارية بسبب تشديد السياسة النقدية . هناك مستويات عالية من السيولة والكتلة النقدية في السوق العقاري أكثر من مجرد تداولات الكترونية او عقود آجلة يتم تسليمها فيما بعد. في بيان محضر الفيدرالي الأمريكي قبل يومين , أشار الفيدرالي بوضوح الى تحدي سوق الاسكان اضافةً للرسوم التجارية والاقتصاديات الناشئة وهذا يعني بشكل واضح , لن تكون هناك سياسة نقدية تؤثر سلباً على الاقتصاد , ولن تكون هناك قاعدة واحدة تضبط عمل الفيدرالي الا السياسة النقدية المتكيفة وبالتالي لن يغامر الفيدرالي الأمريكي بنمو الاقتصاد لأجل أسعار فائدة أعلى بشكل قوي وسريع , بل لأجل أسعار فائدة متدرجة منسجمة مع الأرقام الاقتصادية والتحديات الداخلية والخارجية. هذا لايعني أن الفيدرالي سينصت الى تمنيات الرئيس ترامب , بل سينصت الى الأرقام الاقتصادية التي ستحدد مسار الفائدة خلال السنوات القادمة , هذا المسار الذي تغير منذ سنوات الأزمة المالية العالمية قبل عشر سنوات. قد يكون من المبكر الحديث عن تصحيح قاسي في سوق الاسكان الأمريكي , ولكن سيكون هذا التراجع ان استمر نقطة تحول مهمة جداً قد تضعف الدولار الأمريكي لاحقاً , وتخفف من زخم توقعات رفع الفائدة خلال العامين القادمين .