لم يكن قرار الفيدرالي الأمريكي مفاجئاً. ارتفعت أسعار الفائدة الأمريكية بربع نقطة مئوية لتصبح عند مستويات 2.25% وهي الأعلى بين جميع الاقتصاديات المتقدمة ( منطقة اليورو 0.0% وبريطانيا عند 0.75% وكندا عند 1.50% ) . ويبدو أنه لن يكون من السهل على بقية البنوك المركزية الكبرى أن تلحق بالفيدرالي الأمريكي حالياً وحتى لاحقاً , أي حتى لو تحسن اقتصاد هذه الدول بقوة .
من النقاط المهمة التي أشار لها الفيدرالي في بيانه يوم أمس هي عدم تكرار مفهوم السياسة النقدية المتكيفة والتي لطالما استعملها الفيدرالي في سنواته الأخيرة ليبرر أي تردد في رفع الفائدة حسب اعتقادنا اضافةً الى أنه لن يضغط باتجاه وضع الاقتصاد الأمريكي بمخاوف ركود كما حدث سابقاً في أيام رئيس الفيدرالي الأسبق آلان غريسبان الذي خفض أسعار الفائدة ثم رفعها مجدداً وكان من أهم المتهمين بالتسبب بالأزمة المالية العالمية . نعتقد بأن عدم ذكر مفهوم السياسة المتكيفة لا يعني بالضرورة التخلي عنها كاملاً .
بمعنى أننا نرى الفيدرالي براجماتياً أكثر من كونه ايديولوجياً . لن يغامر برفع الفائدة لاحقاً اذا بدأت إشارات الضعف والتراجع تأتي تباعاً خلال العام القادم , عندها لن يكون مستعجلاً في رفع الفائدة . السياسة النقدية للبنوك المركزية تغيرت الى غير رجعة منذ سنوات الأزمة المالية العالمية , حتى لو بقيت أسعار الفائدة متدنية بمعايير تاريخية الا أن الاقتصاد ألأمريكي خاصةً والعالمي ككل تغير خلال العقدين الأخيرين ان كان من ناحية التكنولوجيا أو الديموغرافيا او قوى العمل والإنتاجية .
لا نعتقد بعملية تصحيح قاسية على الدولار الأمريكي حالياً مدعوماً بأداء اقتصادي أمريكي مستقر وعوائد مرتفعة على سندات الخزينة الأمريكية , لذلك سيكون من الأفضل عدم الرهان على تراجع قاسي للدولار الأمريكي حالياً . بالمقابل , هذا الاختلاف والتباعد في سياسات البنوك المركزية الكبرى بشأن رفع الفائدة سيفتح المجال لسيناريوهات عديدة .
أولاً , سيبدأ البنك المركزي الأوربي رفع الفائدة لاحقاً , قد يكون خلال أقل عام من الآن , سيكون مهماً لليورو وارتفاعه . بنفس الوقت سيدعم مؤشر البنوك الأوربية التي كان أداؤها ضعيفاً بالمقارنة مع الأمريكية.
ثانياً , سيناريو قد يكون سلبياً بعض الشيء , وهو ان حدث سيكون مرتبطاً بتراجع تدريجي للاقتصاد الأمريكي خلال عام من الآن , لن يكون جيداً لرفع الفائدة الأمريكية ولكن بالمقابل اذا كان التراجع قاسياً عندها سيجبر الأوربيون على عدم تسريع رفع الفائدة الأوربية وكذلك الشيء نفسه لبنك إنكلترا . هذه الدورة الاقتصادية قد تكون متوقعة ولكن حتى لو حدثت سيكون اليورو ملاذاً جيداً .
التغيير الذي حدث للسياسة النقدية العالمية هي أنه لا أحد يريد عملةً قوية في هكذا بيئة . رسوم وتعريفات تجارية جديدة , وإعادة صياغة جذرية لمنظمة التجارة العالمية وكذلك إعادة رسم العولمة الأمريكية التي أساساً استفادت منها أمريكا وكانت قراراً سيادياً أمريكياً. من هنا نرى أن أسعار الفائدة في بقية الاقتصاديات المتقدمة سترتفع بوتيرة بطيئة خلال الأعوام القادمة .