مع استمرار تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين شهدنا يوم أمس انطلاقة قوية للذهب بعد اعلان الصين عن ردها على دخول الزيادة في التعرفة الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة حيز التنفيذ لتكشف الصين عن سلاحها الأول من بين الاسلحة التي تحدثت عنها سابقا كرد فعل انتقامي للخطوة الأمريكية بالاعلان عن فرض جمارك على بضائع أمريكية وهو ما جعل الحرب التجارية تنتقل إلى مستوى جديد من التوتر ودفعت بالمستثمرين نحو اتباع استراتيجيات التحوط والبحث عن الأمان في ظل حالة النفور من المخاطرة التي سيطرت على الأسواق لنشهد معها هبوطا جماعيا في أسواق الأسهم العالمية بقيادة أسواق الأسهم الامريكية.
تمكن الذهب من الارتفاع ليتخطى مستويات 1300 دولار ويسجل أعلى مستوياته منذ شهر أبريل الماضي ليصل إلى 1303 دولار للأونصة قبل أن يبدأ بتصحيح بسيط في الفترة الحالية عند مستويات 1298 دولار في ظل حالة الهدوء التي تمر بها الأسواق بعد عاصفة الأمس وبعد تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه سيتلقي برئيس الوزراء الصيني في قمة العشرين الشهر المقبل ونظرة ترامب بأنه المفاوضات الأمريكية الصينية ستكون ناجحة مما دفع ببعض الهدوء في الأسواق.
إلا أن حالة عدم اليقين تبقى مسيطرة، حيث أن حديث ترامب عن النجاح هنا ليس بالضرورة أن يكون للطرفين وقد يكون النجاح الذي يتحدث عنه هو من وجهة نظره وقد لا يكون مقبولا ضمن المعايير الصينية وهو الأمر الذي قد نشهد معه المزيد من الخطوات الصينية للضغط على الولايات المتحدة للتراجع عن خطوتها برفع الجمارك على البضائع الصينية.
ولكن الأهم هنا هو أن الكثير قد يبدأ بتقييم الامور على المدى الطويل والأضرار التي يمكن أن تطال كل من الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد الصيني نتيجة هذه الحرب التجارية والأثر على الاقتصاد العالمي.
باختصار، السياسة الحمائية التي يتبعها ترامب تعيدنا إلى ثلاثينات القرن الماضي حين تم اتباع السياسة الحمائية من الولايات المتحدة الأمريكية ضمن ما يعرف بالتعرفة الجمركية لسموث هاويلي حين حاولت الولايات المتحدة حماية منتجاتها الزراعية فجاء الأثر سلبيا وتم اعتبار هذه الخطوة أحد اسباب تفاقم الكساد العظيم وايضا تم اعتبارها أحد أسباب اندلاع الحرب العالمية الثانية.
حيث أن أثر السياسة الحمائية في التجارة يمكن أن يفيد الاقتصاد وبعض القطاعات الاقتصادية على المدى القصير ولكن الاثار السلبية على المدى الطويل تكون كبيرة وتؤدي إلى خسائر اقتصادية كبيرة.
فالاثار الناتجة عن ارتفاع الاسعار نتيجة التعرفة الجمركية من شأنها أن تقلل من القوة الشرائية لدخل المواطن حيث قد يصل أثر التعرفة الجمركية إلى زيادة بنحو 500 إلى 800 دولار سنويا على المواطن الامريكي وهو ما قد يتحمله ذوي الدخل المتوسط والمحدود وبالتالي فإن هذا الارتفاع سيقود مستويات التضخم في الاقتصاد الأمريكي بأثر سلبي أكبر من الفوائد التي يسعى ترامب اليها من خلال فرض الجمارك وهو ما قد يزيل ايضا الاثار الايجابية لسياسات سابقة مثل السياسات الضريبية التيسيرية التي قام بها ترامب العام الماضي وخاصة في مجال التشغيل وخلق فرص العمل.
هذه الحالة من عدم اليقين والمزيد من المخاوف من خطوات أخرى قد تلجأ إليها الصين في هذه المواجهة التجارية تجعل النظرة لدى الكثير من المستثمرين نحو التحوط واللجوء إلى الملاذ الآمن التقليدي المتمثل بالذهب وهو ما قد نشهده يتسارع خلال النصف الثاني من العام الجاري خاصة إذا دخلت التعرفة الجمركية الصينية حيز التنفيذ ايضا في الاول من يونيو المقبل وإذا مضى ترامب في المزيد من الجمارك التي اعلن أنه سيفرضها على الواردات الصينية.
وإن لم نشهد اتفاق فعلي يطبق على أرض الواقع يزيل هذه الجمارك الاضافية، فإن النظرة ستبقى نحو المزيد من الارتفاعات على المعدن الأصفر وأي تراجعات في السعر ستكون قصيرة المدى ولن تطول قبل عودة الذهب للارتفاع من جديد.
وتبقى النظرة الفنية حاليا نحو تمكن الذهب من كسر مستوى المقاومة الأول عند 1303 والذي سبق أن وقف كمستوى دعم مرتين في فبراير الماضي ويعتبر تخطي هذا المستوى فرصة للذهب للحصول على العزم اللازم لاختبار مستوى المقاومة التالي عند 1310 دولار للاونصة.
وتبقى مستويات الدعم الأهم أمام الذهب على المدى القصير عند مستويات 1288 دولار والتي قد تصمد في الفترة الحالية ما لم نشهد اي تقدم فعلي في محادثات الحرب التجارية.