لم تكن المناظرة الرئاسية الأولى بين الرئيس دونالد ترامب والمنافس جو بايدن نقطة التحول المنتظرة في عام انتخابي معقد وشائك ولم يسبق له مثيل له في الذاكرة الأميركية من نواحي عديدة حيث اتسمت المناظرة بكثير من السخرية والشتائم وساد فيها الاستفزاز بين المتنافسين
وإذا ما تعمقنا في مجريات المناظرة الأولى نجد ان دونالد ترامب كان فعالا في تفكيك أسوأ هجمات جو بايدن ببساطة من خلال مقاطعته إياه وتحويل سياق الحديث في اتجاه آخر إلى أن وصل الحال أن قال جو بايدن من الصعب أن يحظى المرء بفرصة لقول كلمة واحدة بوجود هذا المهرج وقال أيضا أنت أسوأ رئيس في تاريخ الولايات المتحدة ومن وجهة نظري تعد هذه المناظرة إحدى أسوأ المناظرات في التاريخ.
فقد انتهت من دون أن يستفيد أحد من أي شيء جديد لذلك بإمكاننا القول إن بايدن لم يخسر وترامب لم يربح.
ومن الجدير بالذكر أن المناظرة لم يتم التطرق فيها لأي ملف من ملفات السياسة الخارجية
ولا بد لنا ان نذكر ان الكثير من استطلاعات الرأي تقول إن جو بايدن هو الأقرب للفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة فهو متقدم في الاستطلاعات القومية عن ترامب وأيضا متفوق عليه في ولاية فلوريدا لكن نتيجة انتخابات عام 2016 علمتنا ألا نثق في استطلاعات الرأي دائما وأن ننتظر النتيجة الحقيقة بعد غلق صناديق الاقتراع وفرز الأصوات وإعلان الفائز بشكل نهائي وكثير ممن تابع المناظرة الرئاسية من الأمريكيين أبدو انزعاجهم مما حدث في المناظرة بين الطرفين.
وبقي ثلاث مناظرات مجدولة الشهر الجاري قبل عقد الانتخابات واحدة منهم بين نائبي المرشحين كامالا هاريس نائبه جو بايدن ومايك بنس نائب دونالد ترامب وستعقد يوم 7 / أكتوبر وتتبعها مناظرتان بين بايدن وترامب مجدولتان في 15 و22 أكتوبر الجاري.
وإذا ما عدنا بالزمن الى الوراء نجد انه تم إعادة انتخاب ما يقرب من ثلاثة أرباع الرؤساء الحاليين منذ عام 1932 ومنذ ذلك الحين لم يفشل الرئيس الحالي في الفوز بإعادة انتخابه ما لم يحدث ركود خلال فترة وجودهم في سدة الحكم وهو ما يفسر ربما لهجة ترامب الأكثر تصالحية بشأن التجارة والاقتصاد لكن إذا ما أجرينا مقارنة بين نسبة تأييد الرئيس ترامب وبقية الرؤساء الذين قبله فهي أقل مما كانت عليه تقييمات من سبقوه عندما فازوا بإعادة انتخابهم.
تأثير الانتخابات الامريكية على الأسواق العالمية:
من الطبيعي أن تتأثر الأسواق العالمية بنتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية ولكن الانعكاسات الاقتصادية على نتيجة الانتخابات الرئاسية لا تتوقف عند الداخل الأمريكي فحسب بل ينسحب الأثر إلى الاقتصاد العالمي إذ إننا نتحدث هنا عن أكبر اقتصاد في العالم ومع اقتراب موعد الانتخابات تسود حالة من القلق لدى رجال الأعمال والمستثمرين بسبب النتائج المترتبة على فوز الجمهوريين أو الديمقراطيين.
ولا شك أن انتخابات 2020 ستشهد تحولات عميقة في الحياة السياسية والاقتصادية الأميركية فقد فرض تفشي فيروس كورونا ركودا اقتصاديا غير متوقع ألقى بظلاله على السباق الرئاسي وغير مساره تماماً فقبل تفشي الفيروس كانت التوقعات تظهر أن الرئيس الحالي ترامب سيتوجه نحو ولاية ثانية بأدنى معدل بطالة تاريخيا وبمكاسب اقتصادية قوية وهو ما جعل الاقتصاد ورقة قوية بيده ولن يواجه مشكلة تذكر في مسار الحملة الانتخابية لكن الوباء قلب الموازين بشكل كبير بالنسبة لمعسكر ترامب الانتخابي.
وبالأمس القريب وفي ليله لا تنسى ولن تمحى من ذاكرة المستثمرين ورجال الاعمال نتذكر فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية لعام 2016 وكيف كان لذلك الفوز غير المتوقع صدى كبير وتقلبات قوية في الأسواق العالمية آنذاك لذلك سنذكر بعض السيناريوهات المتوقعة للأسواق وادواتها في هذه الانتخابات المثيرة والتي لم تشهد الولايات المتحدة مثيلا لها في احتدام الصراع بين الطرفين المتنافسين.
نبدأ حديثنا عن السيناريوهات المتوقعة من الدولار الامريكي أرى أن الدولار سينخفض بوتيرة كبيرة في حال خسارة دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة للدورة الثانية وسيتم مراجعة خطة التحفيز التي تم إقرارها من قبل الإدارة الأمريكية الحالية أما في حاله فوزه سيتراجع الدولار الأمريكي أيضا لكن بوتيرة أبطأ.
أما توقعاتنا عن الذهب في حالة خسارة دونالد ترامب ونجاح منافسه جو بايدن سيؤدي الى ارتفاع الذهب بقوة لان ذلك سيزيد من حالة الضبابية في السوق نظرا لعدم اتضاح سياسات جو بايدن الاقتصادية بينما المستثمرين يعرفون سياسات دونالد ترامب الحالية وبالتالي سنجد تزاحم للمستثمرين نحو شراء الذهب الذي سيؤدي لارتفاع سعره ويعزز جاذبيته باعتباره أداة تحوط من المخاطر والملاذ الآمن.
أما في حالة فوز ترامب بالولاية الثانية لرئاسة الولايات المتحدة سيعتبر ذلك امتداد للفترة السابقة أي أن سياسته الاقتصادية معروفة وبالتالي لن يكون صعود الذهب قوي بل سيكون هناك ارتفاع بشكل طفيف وقد يشهد انخفاض ومن ثم العودة الى الصعود ... لكن بشكل عام الذهب سوف يكون بعد الانتخابات الامريكية متماسك مهما كانت النتيجة ولكن تختلف قوة صعوده حسب النتائج وتداعياتها المحتملة وما قد يحدث بعد الانتخابات من طعن بالنتيجة او نقض فجميع السيناريوهات مفتوحة ولا يمكن لأحد الجزم بما قد يحدث
على مدار العشرين عاما الماضية كان الذهب يميل إلى النشاط والتحرك في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الأمريكية وما بعدها بينما سيراقب المستثمرين بشكل دقيق التأثير المحتمل على الدولار وعائدات الخزانة لان هذه الانتخابات تصنف الأكثر خطورة منذ عقود.. الأمر الذي سيثير حالة من عدم اليقين في الأسواق العالمية الامر الذي سيطلق العنان للذهب بالتأكيد.
أيضا في حال تفوق المرشح الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية على منافسه الجمهوري والرئيس الحالي دونالد ترامب ووصوله إلى البيت الأبيض واكتسح الديمقراطيون مجلس الشيوخ في انتخابات نوفمبر المقبل وفرضوا المزيد من القيود ورفعوا معدل الضرائب سيكون لذلك تأثير سيء بالنسبة للشركات وستشهد بورصة وول ستريت تراجعا نتيجة للتغييرات التي ستحدث فيما يتعلق بضرائب الشركات الأمر الذي سيضر بشكل كبير أسهم شركات التكنولوجيا التي قادت صعود سوق الأسهم هذا العام
بينما لو فاز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية سيعزز ذلك بالتأكيد سوق الأسهم الأمريكية إذ يسعى ترامب إلى إعادة الناس إلى العمل وخفض البطالة وتعزيز الاقتصاد بشكل عام بالإضافة الى حزمة التحفيز التي يسعى الجمهوريون لإقرارها.
ما تزال أصداء المناظرة الرئاسية الأمريكية الأولى بين الرئيس دونالد ترامب والمنافس جو بايدن تتردد في أروقة السياسة الأميركية وعلى الرغم من كل استطلاعات الرأي التي تشير الى تقدم جو بايدن ونسبة فوزه الكبيرة إلا أننا سنبقي سيناريو انتخابات 2016 في الحسبان ونتابع عن كثب المناظرات المتبقية الى ان يأتي الحسم يوم 3 نوفمبر 2020 الذي سينهي كل الجدل القائم ولا ننسى أيضا أن نحذر جميع المستثمرين والمتداولين من مغبة التهور والتسرع في القرارات وأن يكونوا على قدر عالي من الحذر والترقب خلال هذه الفترة ومتابعة ما ستؤول إليه الأمور ونتائج الانتخابات التي لا يمكن التكهن بها رغم كل استطلاعات الرأي والتقارير .
المحلل المالي والتقني
عبد الرحمن الاصفر