"الفيدرالي يسيطر على الوضع"
رسالة لم يمل أعضاء الفيدرالي، أو لجنة السوق المفتوحة من إرسالها للمتابعين، وأولئك الشغوفين بمعرفة حالة الاقتصاد، وكبار مديري الأصول في "وول ستريت" الذين يتحكمون بتحركات السيولة في الأسواق.
إظهار الفيدرالي مسيطرا هي رسالة ضرورية لإظهار القدرة على التحكم، وامتلاك زمام الأمور حتى لا ينفرط العقد، وتنزلق الأسواق لهوة سحيقة، كما حدث سابقا في أزمات عدة من عشرينيات القرن الماضي.
كما أنه ضروري لعدم تسرب مزيد من الخوف بشأن المستقبل، وخاصة الأسعار التي هي أهم جزء في مرحلة الإنعاش الاقتصادي.
حيث يحرص الفيدرالي على أن ترتفع للحد الذي يحقق مزيد من الانتعاش، لكن ليس للحد الذي تنفلت معه لتحدث الأسوأ، التضخم المفرط، الذي يسحق كل جهود الإصلاح المبذولة!
نريد تضخما معتدلا
عنوان عريض، سطر أهم أهداف الفيدرالي خلال فترة التحفيز المخطط لها.
نستهدف تضخما معتدلا، في حدود 2%، ولفترة متوسطة كحد أقصى، حتى نهاية 2021.
لكن ما حدث هو أن التضخم ارتفع عن المستويات المستهدفة، وبسرعة قبل انتهاء الربع الأول من 2021.
وتكيفا مع الوضع، قام الفيدرالي بإضافة هدف لاحق:
تضخم مرتفع لفترة محددة
حيث أشار محافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي، جيروم بأول إلى أنه لابد من التعايش مع تضخم مرتفع، بعد تحقيق التضخم المعتدل المستهدف عند 2%، فوق 2% ولفترة قد تستمر حتى نهاية 2022، وذلك لتحقيق مستهدفات خطة التحفيز.
فانتقلنا من مرحلة القبول بفكرة السيطرة على التضخم في نطاق 2% لفترة قد تمتد إلى 2022، إلى ضرورة القبول بتضخم مرتفع أعلى 2% ولنفس الفترة، بل وفي بعض التصريحات الفيدرالية توقع استمراره حتى 2024.
ويظل "الفيدرالي يسيطر على الوضع"!
بيانات التضخم قياسية
إلا أن بيانات التضخم الصادرة مؤخرا تشير لتضخم من نوع جديد، تضخم قد ينزلق إلى مرحلة الإفراط، وبشدة.
وقد رأينا انعكاس ذلك على حركة الذهب الأخيرة.
فالذهب، وهو أكبر مسعر للتضخم، وأكثر الأصول تفاعلا مع بياناته، تشير تحركاته بشكل واضح إلى أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن التضخم الحادث ليس عارضا.
خاصة مع توجه السيولة وفقا لـ "JP Morgan" إلى الاستثمار في الذهب ومشتقاته.
مما يعكس انطباعا عاما لدى المؤسسات، ومديري الأصول بأن التضخم الحالي ليس عارضا، على الأقل لفترة ليست بالقصيرة.
العملات المشفرة على الخط
قد ينظر البعض إلى تحركات العملات المشفرة في نطاق فني، إلا أن التحركات الأخيرة، خاصة الانهيارات، والانخفاضات المتتالية، تعكس عزوفا عن الدولار، عملة التسعير، ومكافأة الاستثمار الحقيقية من الاستثمار في العملات المشفرة، لصالح الذهب الذي يمثل الملاذ الآمن، مع ضعف الدولار المستمر، في مناخ مشحون بالتضخم، وينتظر المزيد.
فوفقا لـ "JP Morgan" فقد تخارج الكثير من الأموال المستثمرة في العملات المشفرة، وتوجهت للذهب بشكل مباشر.
وهو ما أوضحته فورا أسعار العقود الآجلة المرتفعة على الذهب أخيرا، وكمية هذه العقود.
السندات الأمريكية وضع مختلف
انخفضت عوائد السندات الأمريكية، خاصة عوائد 10 سنوات المعروفة بارتباطها بتحركات الأوراق المالية، إلى أدنى مستوياتها منذ بداية العام، من 1.71% إلى 1.58%.
والحقيقة أن السندات جميعها، قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل، قد سجلت انخفاضات قياسية بالجملة، وذلك رغم ارتفاع مؤشر الاستهلاك الشخصي لمستوى قياسي، 3.1%، وارتفاع التضخم الحادث.
وهو ما يشير إلى اطمئنان حائزي السندات لمستويات التضخم الحالية، على الأقل، بالتوافق مع وجهة النظر التي يتبناها الفيدرالي، من أن التضخم مازال ضمن مستويات يمكن السيطرة عليها.
الخطر الحقيقي في الفائدة السلبية
يكمن الخطر الحقيقي في المستوى المتدني للفائدة، والذي قد يصل بالفائدة الحقيقية على الأموال إلى مستوى سلبي.
وهو ما حدث بالفعل حيث قدرت الفائدة الحقيقية على الودائع في بعض البنوك بحوالي -4%، وهو ما يعني أن أصحاب الحسابات مطالبون بدفع أموال مقابل وضع أموالهم في البنوك، وليس العكس!
وهذا الأمر لا يُحتمل، خاصة إذا طالت المدة، وسيؤدي حتما لسحب تلك الأموال من البنوك لصالح أوعية، وأشكال استثمارية أكثر ربحية، وحتما ستكون الأصول، وأوعية التحوط هي الوجهة الأولى "الذهب على رأسها بالطبع".
في النهاية: هل التضخم عابر، غير دائم، ويمكن السيطرة عليه؟
حقيقة، لا يوجد أي مقياس يمكن الاستناد إليه للجزم بهذا، ولا بعكسه.
فدائما التضخم يأتي وفق أوضاع مختلفة جذريا، أو على الأقل في أوضاع اقتصادية، ومالية مختلفة.
فتضخم الثلاثينيات، والسبعينيات، والثمانينيات وحتى التضخم الأخير، ليست متشابهة في الكثير من الأمور.
ولا توجد سابقة مشابهة للتضخم الحالي يمكن قياس ما ينبغي من تحركات، أو سياسات عليها.
وبالتالي تظل جملة "الفيدرالي يسيطر على الوضع" مجرد وعد، قد يتم تنفيذه، أو يتخلف عنه الفيدرالي.
وهو ما يفسر تلك التحركات المتناقضة في الأسواق، ارتفاع الذهب بالتزامن مع ارتفاع الأسهم، وانخفاض السندات، وضعف الدولار.
في منظومة غير متناغمة، ظاهريا على الأقل.
الجميع يترقبون يوم الجمعة
خطاب "جيروم باول" يوم الجمعة القادم يعتبر أهم خطاباته التاريخية التي ينتظرها الجميع.
فهو يأتي وسط موجة من التشكيك في قدرة الفيدرالي على السيطرة على التضخم.
مع مخاوف من حدوث تضخم مفرط دائم، رغم تأكيدات الفيدرالي على أنه مؤقت.
ولذلك أتوقع أن يكون الخطاب واضحا إلى حد كبير في الحديث عن التضخم، وليس مبهما كسوابقه.
إلا أن الخط العام سيظل كما هو دون تغيير، من استمرار التيسير الكمي، وشراء السندات والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري، مع استمرار الفائدة عند مستويات متدنية.
في النهاية السيولة هي من تحدد الاتجاه
وتظل السيولة هي التي تحدد الاتجاه في الأسواق، الأصول، الأصول الافتراضية.
مهما كانت الأحاديث، ودلالاتها، أو السياسات وأهدافها، فستظل الأموال هي سبب الحركة في أي سوق.
لذلك فتوجهات سيولة المؤسسات، هي من تحدد التفاعل المطلوب مع البيانات، أيا كانت دلالاتها!
طاهر مرسي
القاهرة – الثلاثاء - 1/6/2021