رحلتنا في أعماق الثقافة المالية مستمرة، ومحطة اليوم سنزور فيها كتاب "الأب الفقير والأب الغني" لروبرت كيوساكي، وهو أحد أهم كتب التنمية الذاتية في العصر الحديث...
كما قلنا في المقدمة يعتبر كتاب الاب الفقير والأب الغني لروبرت كيوساكي واحد من أهم الكتب التي تسلط الضوء ليس فقط على كيفية الحصول على المال بل أيضا على الذهنية التي يجب أن نتمتع بها حتى نصل إلى الحرية المالية، وهو خصص فصلًا كاملًا للحديث عن مفهوم الثقافة المالية التي، للأسف، كثيرون لا يعرفون عنها شيء...
الآن، إذا سألت أي شخص يدرس في الجامعة: لماذا تدرس في الجامعة؟ ربما سيضحك من سؤالك، وربما سيقول لك (لأن العلم نور)، وطبعا هذا صحيح، لكن إذا سألته ما هو هدفك الفعلي من الدراسة؟
هنا سيجيبك بأن الدراسة هي طريق الوصول إلى الشهادة، التي هي طريق الوصول إلى وظيفة محترمة لا تضمن فقط راتب جيد بل ومكانة اجتماعية أيضا، وبالتالي الدراسة هي سبيل تأمين المستقبل من وجهة نظره.
للأسف، هذه هي العقلية التي نشأنا عليها، وهي عقلية موجودة في كل المجتمعات تقريبا؛ عقلية تَظهر بوضوح عندما تسأل أي طفل في بلداننا العربية: ماذا تريد أن تصبح في المستقبل؟ والكل تقريبا سيجيب بـ: إما طبيب أو مهندس أو محامي أو مدرّس...الخ، وهذه بالطبع ليست أحلامًا ذاتية وإنما أحلامٌ زرعها الأهل في عقول أبنائهم، ونحن أيضا نعيد فعل الأمر ذاته، ونزرع في أذهان أبنائنا أحلامًا لم تكن في الأساس أحلامنا نحن...
ربما الأهل معذورون في تصور أن الشهادة هي سبيل الوصول إلى الاستقرار المالي ومكانة اجتماعية مرموقة، ففي أيامهم كان عدد الأطباء والمهندسين والمحامين قليل، ولذلك كان أصحاب هذه المهن يتمتعون بوضع مالي مريح جدا مقارنة بغيرهم، لكن الحقيقة التي لا يدركها معظم الأهل هو أن الزمن قد تغير كليًّا، وصحيح أن مهنة الطبيب والمهندس والمدرس هي مهن في غاية الأهمية ولا غنى لأي مجتمع عنها، لكن الشهادة بحد ذاتها لم تعد مفتاح الوصول الى الاستقرار المالي لأن أعداد حاملي هذه الشهادات أصبحت كبيرة جدا وفي بعض الأحيان تفوق حاجة المجتمع لها، وأصبحنا نرى أطباء ومهندسين وحاملي شهادات عليا عاطلين عن العمل، للأسف، أو يعملون بغير شهاداتهم التي أفنوا عمرهم في تحصيلها...
إذا فهم البعض من كلامي أني أقول بأن الانسان ليس بحاجة الى التعليم أو أن الشهادات غير مهمة فهم طبعا مخطئون، فالتحصيل العلمي من وجهة نظري مهم جدًا، ولكن الهدف من التعليم والحصول على الشهادة يجب أن يكون مختلفًا، هذا ما نقوله ها هنا.
بمعنى أنه إذا كان هدفك في الحياة هو أن تصبح موظفَا فستبقى طوال حياتك موظفًا، وإذا كان هدفك هو راتبٌ يكفيك فقط فستبقى طوال حياتك صاحب دخل محدود حتى لو كان مرتفعًا مقارنة بمعاشات الآخرين...
المشكلة يا أصدقائي أن المناهج التعليمية في المدارس والجامعات مصممة لكي نكتسب مهارات علمية ومهنية، ولكنها لا تعلمنا كيف نحصل على المال وكيف ننفق هذا المال، أي لا نكتسب فيها مهارات مالية، ولذلك نجد أشخاصًا يحملون شهادات في الاقتصاد وربما يعملون في بنوك لكنهم محاصرون بالديون من كل حدب وصوب، ولا يكفيهم مدخولهم لتربية وتعليم أبنائهم...
وهذا بالضبط ما يتحدث عنه فصل الثقافة المالية في كتاب روبرت كيوساكي "الأب الفقير والأب الغني"، فالأب الفقير هو شخص حصل على أعلى الشهادات وكان مثقفا جدا، لكن هدفه في الحياة كان المعاش فقط، أما الأب الغني فهو أيضا شخصٌ تعلّم وحصل على شهادات عليا، لكن هدفه في الحياة كان أن يصبح ثريًا...
الفرق بين الأب الفقير والأب الغني لم يكن بالشهادات، فكلاهما تعلم تعليما عاليا، ولم يكن بسبب المال، فكلاهما ولد فقيرا..
الفرق بينهما كان في الثقافة المالية فقط، لكن هذا الفرق الوحيد تسبب بنهاية مختلفة للاثنين:
الأول مات وترك لأولاده ديونًا يجب عليهم تسديدها، أما الثاني فترك لأبنائه ثروة وأمّن لهم مستقبلا زاهرًا..
رحلتنا في عالم الثقافة المالية ما تزال مستمرة.
يُتبع...
محمد سلمان
باسم عبد الكريم