طبول الحرب الباردة تقرع بين الولايات المتحدة وأوبك+

تم النشر 24/11/2021, 15:00

تشهد أسعار النفط تقلبات قوية نتيجة للحرب الباردة الدائرة بين الولايات المتحدة والتي انضم لجبهتها عددًا من كبار المستهلكين عقود نفط برنت من جهة، وبين أعضاء منظمة أوبك وحلفائها أوبك+ من جهة أخرى. هي حرب أسلحتها قرارات وتصريحات، فمن سيكون الرابح فيها، وهل يصب هذا الصراع في صالح إيران؟  

   فتيل الحرب  

دعت الإدارة الأمريكية في أغسطس الماضي أوبك وشركائها المنتجين للنفط إلى تعزيز انتاجهم من النفط بهدف الحد من ارتفاع أسعار البنزين والذي ترى الإدارة الأمريكية أنه يشكل تهديدًا على التعافي الاقتصادي العالمي. بيد أن أوبك وحلفاؤها تمسكوا بخطط إنتاج النفط بواقع ٤٠٠ ألف برميل يوميًا من ديسمبر، ضمن خطتها لزيادة الإنتاج تدريجيا كل شهر حتى أبريل ٢٠٢٢. ويبدو أن القرار لم يلقى استحسان من قبل الإدارة الأمريكية لتنطلق شرارة الحرب بتحذير من قبل الولايات المتحدة لمنظمة أوبك وحلفائها جاء على هيئة إعلان من قبل البيت الأبيض أمس الثلاثاء بالإفراج عن جزء من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي بالتنسيق والمشاركة من قبل مجموعة من الشركاء الآسيويين والمملكة المتحدة.  

   مضمون القرار وأثره على الأسواق  

أعلن البيت الأبيض أن الإدارة قد قررت الافراج عن ٥٠ مليون برميل من الاحتياطي الاستراتيجي للنفط بتنسيق مع الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة للحد من حدة ارتفاع أسعار الوقود.  

 وفي مقابل الـ ٥٠ مليون برميل التي سيتم الإفراج عنها من قبل الولايات المتحدة بواقع ٣٢ مليون برميل بنظام التبادل على مدار الأشهر القادمة والإسراع بتنفيذ خطة الإفراج عن ١٨ مليون برميل كانت قد اعتمدت للبيع سابقًا، أعلنت كل من الهند واليابان الإفراج عن ٥ ملايين برميل من احتياطاتها الاستراتيجية. وأشارت كوريا الجنوبية إلى أنها قد تساهم بقرابة ٣.٥ مليون برميل ولكن أرجأت التوقيت وتأكيد حجم المساهمة إلى ما بعد التشاور مع الدول الشريكة. وفي حين لم تكشف الصين عن مساهمتها، صرح مسؤول غربي مطلع انها ستكون ضمن نطاق يتراوح بين ٧ و١٥ مليون برميل.، فيما توقع أن تساهم المملكة المتحدة بنسبة أقل.  

ومع إعلان هذا القرار تحركت أسعار النفط ليسجل الخام الأمريكي الخفيف نايمكس انخفاضًا إلى ٧٦.٢٥ بمقدار ٠.٦٥٪، أما خام برنت فقد انخفض إلى ٧٨.٥٥.  

بيد أن المحللين قد رجحوا أن يكون تأثير مثل هذا القرار على الأسعار قصير الأجل. وهو ما يجعلنا نتساءل هنا، هل كان يستحق هذا التأثير المحدود الافراج عن هذا الكم من الاحتياطي الاستراتيجي والدخول في صدام مع أوبك وحلفائها؟!  

ردود أفعال أوبك وحلفائها  

كما لم تؤثر دعوات الإدارة الأمريكية لزيادة الإمدادات على قرار المجموعة، لم يكن كذلك قرار سحبها من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي تأثير على جدول أعمال المجموعة أو قراراتها. ولم يصدر حتى اللحظة أي تصريحات سوى ما جاء من قبل الكرملين بأن روسيا لا تزال ملتزمة بتعهداتها في أوبك بلس، ولا خطط لدى الرئيسي بوتين للاتصال بشركاء بلاده من المجموعة برغم الحديث الدائر حول لجوء دول رئيسية مستهلكة لاحتياطاتها الاستراتيجية من النفط.  

كما جاء على لسان وزير الطاقة الإماراتي "سهيل المزروعي قوله: "نطلع على جميع البيانات الفنية وكلها تشير إلى أن الربع الأول من العام المقبل سيشهد فائضـًا وبالتالي، لا يوجد منطق في زيادة حصتنا". وفي حديثه للصحفيين، وصف المزروعي تحركات الولايات المتحدة للإفراج عن نفط من احتياطها الاستراتيجي بالتنسيق مع دول آسيوية رئيسية أخرى مستهلكة للطاقة في محاولة لخفض أسعار الطاقة المرتفعة بانها مسألة تخص كل دولة. وأضاف: "أنه لا داعي للقلق بشأن الامدادات في الربع الأول والثاني" وتابع إن الاجتماع الوزاري لأعضاء أوبك وغير الأعضاء في ٢ ديسمبر سينظر في الأحجام بالسوق ويتخذ قرار بناء على تلك الحقائق.  

   هل يهتم بايدن حقًا بتعافي الاقتصاد العالمي أم تعافي شعبيته الآخذة بالتراجع؟  

إن ارتفاع أسعار وقود السيارات يشكل خطرًا سياسيًا على أي رئيس أمريكي، فضلًا عن أن ارتفاع تكاليف الطاقة وارتفاع التضخم قد يعيقان الانتعاش الاقتصادي من الوباء وقدرته على سن تشريعات الإنفاق الاجتماعي الرئيسية، ويعتقد أن هذا هو السبب الرئيسي الذي استند عليه الرئيس بايدن لتسهيل اتخاذ هذا القرار.  

ومع تراجع شعبية بايدن الكبيرة في الفترة الأخيرة نتيجة لسوء سياسته الاقتصادية، ربما وجد بايدن وإدارته من مثل هذا القرار فرصة لكسب بعض الشعبية التي خسرها. لكن يبدوا أن الرياح جاءت بما لا تشتهيه الأنفس. فالقرار لاقى معارضة في الداخل ولا مبالاة في الخارج!  

ففي الوقت الذي أيد وبرر فيه البعض في الداخل القرار، بأن: "استغلال احتياطي البترول الاستراتيجي سيوفر راحة مؤقتة تشتد الحاجة إليها في المضخة وسيشير إلى أوبك بأنها لا تستطيع التلاعب بشكل متهور بالإمدادات لتضخيم أسعار الغاز بشكل مصطنع". وهو ما جاء في بيان زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر.  

صرحت مجموعات الأعمال والمشرعون الجمهوريون إنهم عارضوا هذه الخطوة. وعلل "كريستوفر جيث" النائب الأول لرئيس معهد الطاقة العالمي التابع لغرفة التجارة، بأنه يجب استغلال الاحتياطي فقط من أجل اضطرابات الإمدادات الحقيقية، وقال إن إدارة بايدن يجب أن تركز بدلاً من ذلك على تشجيع إنتاج النفط المحلي. وقال "جيث" في بيان أرسل عبر البريد الإلكتروني: "الاحتياطي البترولي الاستراتيجي الحقيقي لأمريكا موجود في أماكن مثل حوض بيرميان وخليج المكسيك". "بدلاً من الضمادات غير الفعالة، يجب على البيت الأبيض التركيز على السياسات التي من شأنها تشجيع الإنتاج المحلي للنفط والغاز الطبيعي."  

هل كانت هذه الخطوة مدروسة بشكل كافٍ؟  

تم إنشاء احتياطي النفط الاستراتيجي الأمريكي، وهو أكبر مخزون حكومي في العالم، في أعقاب الحظر النفطي العربي في السبعينيات، وقد تم استغلاله مرات محدودة.  الأولى في عملية عاصفة الصحراء عام ١٩٩١، ومن ثم إعصار كاترينا عام ٢٠٠٥، وكان آخرها انقطاع الإمدادات الليبية في عام ٢٠١١. وهي تستغل كذلك لخفض أسعار البنزين المحلي، كما فعل الرئيس بيل كلينتون قبل أسابيع من انتخابات عام ٢٠٠٠، وايضًا لتمويل التشريعات المحلية غير ذات الصلة.  

وعن قرار إعادة استغلال الاحتياطي الاستراتيجي من النفط الآن، قال مسؤولون كبار في الإدارة إن خطة إطلاق النفط ذات الشقين، نتيجة أشهر من النقاش والدبلوماسية، مصممة لظروف السوق الحالية، مع توقع انخفاض أسعار النفط المرتفعة في الأشهر المقبلة.  

وكما جاد عن البيت الأبيض: "نظرًا لأن الحركة الاقتصادية بدأت تستعيد نشاطها مره أخرى، فقد ارتفع الطلب على النفط، ويستشعر المستهلكون الأمريكيون أثر ارتفاع سعر النفط في محطات البنزين والديزل، وفي فواتير تدفئة منازلهم، وكذلك الشركات الأمريكية تستشعر ذات الأمر، (...) ولهذا السبب قرر الرئيسي بايدن استخدام "كل الأدوات المتاحة للعمل على خفض الأسعار ومعالجة نقص المعروض."  

هذا وقد أكد البيت الأبيض أن الرئيس على استعداد لاتخاذ إجراءات إضافية، إذا ما لزم الأمر لخفض الأسعار.  

وبناءً على ما سبق يمكننا القول إن الإدارة الأمريكية قد اتخذت القرار بعد دراسة كافية ووافية كما جاء في تصريحاتها، ولكن هل وضعت رد فعل الطرف الآخر بالحسبان؟ وهل الاجراءات الإضافية قد تشمل إيران؟  

   ما قد يحمله الغد من أحداث     

بعد أن تراجعت الأسعار متأثرة بالقرار، نجد أن خام نايمكس قد عاد من القاع ٧٥.٣٣ دولار إلى ٧٨.١٥ بزيادة أكثر من ١.٧٪ لسعر البرميل. كما قفز خام برنت بما يقرب من ١.٩٪، ليسجل ٨١.١٥ من قاع ٧٨.٥٥ أي ما يقرب من ٣ دولارات ارتفاع. وهو الأمر الذي يجعلنا نستحضر ما قاله بوب مكنالي، رئيس شركة Rapidan Energy Group الاستشارية والمسؤول السابق في البيت الأبيض في عهد الرئيس جورج دبليو بوش: " إذا تعلق الأمر باختبار الإرادة والقدرات بين قلة لديها احتياطيات من النفط الاستراتيجي بقيادة الولايات المتحدة وأوبك +، فمن المحتمل أن يراهن السوق على الأخير السائد."  

ويبدو أن مرحلة الحشد ولحظة الحسم قد استعدادًا للمعركة الحقيقية قد بدأت بالفعل.  

فمن جهة، نجد أن التحالف الذي تقوده السعودية يرى أن السياسة الراهنة هي الأفضل في ظل وفرة المعروض نسبيًا وعدم التعافي الاقتصادي بشكل كلي وأن من شأن أي زيادة في المعروض أن تؤثر سلبًا على الأسعار والسوق.  

وبالنظر إلى ما قاله "جوزيف ماكمونغيل"، أمين عام منتدى الطاقة الدولي في أعقاب اجتماع مع مسؤول بوزارة الخارجية اليابانية بشأن تقلبات الأسعار الأخيرة في أسواق الطاقة بعد توقعه أن يحافظ وزراء الطاقة في أوبك+ على خططهم الحالية بإضافة المزيد من الإمدادات للأسواق. أضاف: " مع ذلك، فإن بعض العوامل الخارجية غير المتوقعة، كالإفراج عن الاحتياطات النفطية الاستراتيجية من قبل كبرى الدول المستهلكة، أو عمليات إغلاق جديدة في أوروبا يمكن أن تؤدي إلى إعادة تقييم ظروف السوق."  

كما أن مندوبين في تحالف أوبك+ قد صرحوا بإن المجموعة التي تضم أعضاء أوبك وحلفائها قد تتراجع عن سياسة زيادة الإنتاج حال حدوث تنسيق بين كبرى الدول المستهلكة للنفط لاستخدام الاحتياطي النفطي الاستراتيجي بهدف زيادة المعروض من النفط.  

ومن الجهة الأخرى، وفي أعقاب إعلان الولايات المتحدة وحلفائها من الدول المستهلكة عن الافراج عن كمية من الاحتياطي الاستراتيجي وتصريح البيت الأبيض عن الاستعداد لاتخاذ إجراءات إضافية إذا ما لزم الأمر، يمكن بناء الكثير من السيناريوهات المستقبلية والتي تصب جميعها في احتمالية احتدام الصراع.  

ولكن السيناريو الأهم سيكون ملخصه هو الإجابة عن: "ماذا لو تراجعت أوبك بلاس في اجتماعها المزمع ٢ ديسمبر عن زيادة الإنتاج التي كانت قد اتفقت عليها؟، هل يستخدم بايدن إيران كخطوة تالية لكبح ارتفاع الأسعار؟  

   السيناريو الأسوأ  

لو صدقت التوقعات وتراجعت أوبك عن الزيادة، فلا نستبعد أن تكون إيران هي حصان طروادة الذي يمكن لبايدن أن يستعين به كخطوة تالية.  

فبالعودة لتغريدة نائب وزير الخارجية الإيراني، علي باقري، والتي جاء فيها "اتفقنا على استئناف المباحثات التي تهدف إلى رفع العقوبات غير القانونية واللاإنسانية، في ٢٩ نوفمبر في فيينا". والتي جاءت في أعقاب اتصال هاتفي كان قد اجراه مع "إنريكي مورا"، نائب المنسق العام للسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي.  

فماذا إن نجحت المحادثات وعادت الولايات المتحدة للاتفاق الذي انسحبت منه إدارة الرئيس السابق "ترامب" في مايو ٢٠١٨، والتزمت إيران بتعهداتها الدولية المتعلقة بالبرنامج النووي؟!     

الإجابة: قد يتم رفع العقوبات التي تقيد صادرات إيران النفطية.  

وحال تحقق هذا السيناريو وهو الأسوأ، فقد نشهد تقلبات عنيفة في الأسواق.  

النفط

أحدث التعليقات

جاري تحميل المقال التالي...
قم بتثبيت تطبيقاتنا
تحذير المخاطر: ينطوي التداول في الأدوات المالية و/ أو العملات الرقمية على مخاطر عالية بما في ذلك مخاطر فقدان بعض أو كل مبلغ الاستثمار الخاص بك، وقد لا يكون مناسبًا لجميع المستثمرين. فأسعار العملات الرقمية متقلبة للغاية وقد تتأثر بعوامل خارجية مثل الأحداث المالية أو السياسية. كما يرفع التداول على الهامش من المخاطر المالية.
قبل اتخاذ قرار بالتداول في الأدوات المالية أو العملات الرقمية، يجب أن تكون على دراية كاملة بالمخاطر والتكاليف المرتبطة بتداول الأسواق المالية، والنظر بعناية في أهدافك الاستثمارية، مستوى الخبرة، الرغبة في المخاطرة وطلب المشورة المهنية عند الحاجة.
Fusion Media تود تذكيرك بأن البيانات الواردة في هذا الموقع ليست بالضرورة دقيقة أو في الوقت الفعلي. لا يتم توفير البيانات والأسعار على الموقع بالضرورة من قبل أي سوق أو بورصة، ولكن قد يتم توفيرها من قبل صانعي السوق، وبالتالي قد لا تكون الأسعار دقيقة وقد تختلف عن السعر الفعلي في أي سوق معين، مما يعني أن الأسعار متغيرة باستمرار وليست مناسبة لأغراض التداول. لن تتحمل Fusion Media وأي مزود للبيانات الواردة في هذا الموقع مسؤولية أي خسارة أو ضرر نتيجة لتداولك، أو اعتمادك على المعلومات الواردة في هذا الموقع.
يحظر استخدام، تخزين، إعادة إنتاج، عرض، تعديل، نقل أو توزيع البيانات الموجودة في هذا الموقع دون إذن كتابي صريح مسبق من Fusion Media و/ أو مزود البيانات. جميع حقوق الملكية الفكرية محفوظة من قبل مقدمي الخدمات و/ أو تبادل تقديم البيانات الواردة في هذا الموقع.
قد يتم تعويض Fusion Media عن طريق المعلنين الذين يظهرون على الموقع الإلكتروني، بناءً على تفاعلك مع الإعلانات أو المعلنين.
تعتبر النسخة الإنجليزية من هذه الاتفاقية هي النسخة المُعتمدَة والتي سيتم الرجوع إليها في حالة وجود أي تعارض بين النسخة الإنجليزية والنسخة العربية.
© 2007-2025 - كل الحقوق محفوظة لشركة Fusion Media Ltd.