شهدت أسعار الذهب في عام 2024 ارتفاعًا قويًا، حيث بلغت نسبة الزيادة في الأشهر التسعة الأولى من العام 28.1% بالدولار الأمريكي، و27.2% باليورو، و28.3% بالفرنك السويسري. وعلى الصعيد السنوي حتى نهاية سبتمبر، وصلت الزيادة إلى 42.3% بالدولار، ما يعكس الأداء القوي للمعدن الثمين في مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية.
هذه الأرقام المثيرة جعلت المستثمرين يتساءلون عما إذا كان الذهب قد وصل إلى ذروته أو إذا كان هناك تصحيح كبير قادم. وفيما يلي نرصد 5 أسباب وراء استمرار ارتفاعات أسعار الذهب.
1- هل وصل سعر الذهب إلى ذروته؟
رغم هذه الارتفاعات الكبيرة، لم يصل الذهب بعد إلى ذروته الحقيقية. فعلى الرغم من تداول الذهب بأكثر من 2675 دولارًا للأونصة، فإن السعر المعدل للتضخم لا يزال أقل من أعلى مستوياته التي تم تسجيلها في عام 1980. حيث إن المخاوف بشأن حدوث تصحيح كبير في الأسعار غير مبررة، وأن الذهب لا يزال يمثل استثمارًا قويًا.
وفي غضون ذلك، تغيرت طريقة حساب التضخم بشكل كبير منذ السبعينيات، مما يجعل المقارنات بين الأسعار الحالية والسابقة معقدة. فلو تم استخدام طريقة الحساب القديمة، لكان التضخم وسعر الذهب المعدل للتضخم أعلى بكثير مما نراه اليوم. حيث أجرى مكتب إحصاءات العمل الأمريكي عدة تعديلات كبيرة على طريقة حساب التضخم منذ 1980، مما يؤثر بشكل مباشر على التقديرات المتعلقة بالذهب.
2- دور البنوك المركزية في دعم أسعار الذهب
تستمر البنوك المركزية في تعزيز احتياطياتها من الذهب كجزء من استراتيجياتها الاقتصادية. على سبيل المثال، زادت الهند احتياطياتها من الذهب بمقدار 18.7 طن في الربع الثاني من عام 2024، مما يعكس اهتمامًا متزايدًا بالذهب كأصل استراتيجي. وبالمثل، اتبعت العديد من البنوك المركزية الأخرى نفس النهج، مما أدى إلى تعزيز مركز الذهب في الأسواق العالمية.
ومن اللافت أن احتياطيات الذهب في البنك المركزي البولندي قد تجاوزت الآن احتياطيات المملكة المتحدة، مما يعكس تحولاً في ميزان القوة الاقتصادية في أوروبا من الغرب إلى الشرق. وأوضح رئيس البنك المركزي البولندي، آدم جلابينسكي، أن هدفهم هو أن يشكل الذهب 20% من احتياطيات العملة، مما يعزز مكانة البلاد الاقتصادية ويعزز استقرارها المالي.
3- تأثير أسعار الفائدة المنخفضة على الذهب
أحد العوامل الرئيسية التي تدعم استمرار ارتفاع أسعار الذهب هو تخفيضات أسعار الفائدة. ففي سبتمبر 2024، خفض الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة لأول مرة منذ يوليو 2019 بنسبة 0.50 نقطة مئوية، وهي خطوة لم تحدث منذ يناير 2001 وسبتمبر 2007. تقليديًا، تؤدي تخفيضات الفائدة إلى تعزيز أسعار الذهب، حيث ينجذب المستثمرون نحو الأصول الآمنة مثل الذهب عندما تصبح العوائد على السندات والأوراق المالية الأخرى أقل جاذبية.
على مدار العقود الأخيرة، شهدت كل دورة من تخفيضات أسعار الفائدة زيادات كبيرة في أسعار الذهب. فعلى سبيل المثال، بعد أزمة "الدوت كوم" في بداية الألفية، ارتفعت أسعار الذهب بنسبة 60%، وخلال أزمة 2007-2008 المالية العالمية، قفزت الأسعار بنسبة 140%.
4- ضعف الطلب بين المستثمرين ودوره في استدامة ارتفاع الذهب
رغم الأداء القوي للذهب، لا يزال الطلب عليه من قبل المستثمرين الخاصين والمهنيين في أمريكا الشمالية وأوروبا ضعيفًا. فقد أظهرت دراسة أجرتها "بنك أوف أمريكا (NYSE:BAC)" في عام 2023 أن 71% من المستشارين الماليين استثمروا أقل من 1% من محافظهم في الذهب، بينما استثمر 27% فقط ما بين 1% و5%. هذا يعكس ضعف الاهتمام العام بالذهب مقارنة بالمستويات التي كانت متوقعة.
ومع ذلك، هناك مجالًا كبيرًا لتحسن الطلب على الذهب في هذا القطاع. فأسواق الصناديق المتداولة (ETF) لم تشهد زيادة كبيرة في الطلب، رغم الأداء القوي للذهب، مما يعزز الفرص المستقبلية لنمو الطلب في هذا المجال.
5- البيئة الجيوسياسية المتوترة تدفع الذهب نحو المزيد من الارتفاع
بالإضافة إلى العوامل الاقتصادية، يلعب الوضع الجيوسياسي الحالي دورًا حاسمًا في دعم أسعار الذهب. الحرب في أوكرانيا والتوترات المتزايدة في الشرق الأوسط، تجعل الذهب أكثر جاذبية كملاذ آمن. ومع استمرار هذه الصراعات، يزداد الاعتماد على الذهب كأصل احتياطي في العديد من الدول.
تؤكد هذه التطورات على أهمية الذهب في الاستقرار الاقتصادي العالمي. حيث إن الذهب قد تجاوز اليورو كأصل احتياطي في البنوك المركزية، وأصبح يحتل المرتبة الثانية بعد الدولار الأمريكي. ومع ذلك، فإن نسبة الدولار في الاحتياطيات العالمية تنخفض بشكل تدريجي، مما يعزز مكانة الذهب كأصل استراتيجي.
توقعات مستقبلية لأسعار الذهب
مع وصول أسعار الذهب إلى أكثر من 2700 دولار للأونصة خلال الساعات القليلة الماضية، من المتوقع أن تعزز الظروف الاقتصادية والجيوسياسية المتدهورة من مكاسب الذهب. وبناء عليه، من المتوقع أن يصل سعر الذهب إلى حوالي 4800 دولار بحلول نهاية 2030، وهو ما يعتبر تقديرًا محافظًا في ظل التطورات الحالية السابق الإشارة إليها.