يشهد قطاع النفط السوري اهتمامًا متزايدًا من شركات النفط العربية والغربية، بعد التراجع الحاد في الإنتاج عقب أحداث عام 2011. حيث انخفض الإنتاج من حوالي 400 ألف برميل يوميًا قبل الثورة إلى نحو 80 ألف برميل يوميًا حاليًا. يُباع النفط السوري حاليًا بأسعار متدنية تصل إلى 15 دولارًا للبرميل، أي ما يعادل 20% من السعر العالمي، وذلك نتيجة سيطرة قسد على حقول النفط وقيامها بعمليات إنتاج وبيع غير قانونية.
في الوقت الحاضر، تتطلع تلك الشركات إلى العودة إلى السوق السورية بهدف استئناف الإنتاج ورفعه إلى المستويات السابقة، وبيعه بأسعار تتماشى مع الأسواق العالمية. يُظهر هذا الاهتمام أن قطاع النفط قد يستعيد دوره كركيزة أساسية في الاقتصاد السوري، لكن ذلك يعتمد على عدة عوامل أهمها:
- تخفيف العقوبات الاقتصادية الدولية.
- تنظيم عمليات الإنتاج والبيع بما يضمن تحقيق استفادة متوازنة للدولة والشركات.
تُسيطر قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على معظم حقول النفط الرئيسية في شمال شرق سوريا، وتُعد هذه السيطرة واحدة من العوامل الرئيسية التي أضرت بالاقتصاد السوري من خلال:
- بيع النفط بأسعار زهيدة: يتم بيع النفط بأسعار تقل كثيرًا عن الأسعار العالمية، مما يحرم الدولة من إيرادات ضخمة يمكن استخدامها في إعادة الإعمار وتحسين الوضع المعيشي.
- عمليات تهريب غير قانونية: يتم تهريب النفط وبيعه إلى جهات خارجية بطرق غير مشروعة، مما يعزز اقتصاد الظل ويُضعف قدرة الدولة على مراقبة القطاع النفطي.
- إيرادات غير مستغلة وغياب الرقابة: تُنفق العوائد النفطية من قِبل قسد على أنشطة غير اقتصادية، مما يحرم الشعب السوري من الفائدة المباشرة من موارده الطبيعية.
إذا استعاد القطاع النفطي سيطرته الرسمية من الدولة السورية، فسيتم بدون شك رفع مستويات الإنتاج إلى ما قبل عام 2011، وبيع النفط بأسعار عالمية عادلة، وتحقيق إيرادات كبيرة تُستخدم في تحسين البنية التحتية والخدمات العامة ومعيشة المواطن.
وسيساهم ذلك في إنعاش الاقتصاد السوري من خلال توفير موارد مالية كبيرة تساعد في تمويل مشروعات إعادة الإعمار وتحسين الخدمات العامة، وتخفيض الاعتماد على المساعدات الخارجية عبر توفير النقد الأجنبي لتلبية احتياجات الاستيراد وخفض العجز التجاري، إضافة إلى تعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي من خلال خلق فرص عمل وزيادة الاستثمارات في القطاع النفطي، واستعادة العلاقات الاقتصادية مع الدول الإقليمية والدولية حيث سيوفر القطاع النفطي السوري فرصة للدول العربية والغربية للاستثمار والمشاركة في إعادة بناء الاقتصاد.
عدم حاجة سوريا لنفط إيران
قامت إيران مؤخرًا بوقف إمدادات النفط إلى سوريا، وهي خطوة قد تؤثر بشكل مباشر على الوضع الاقتصادي والمعيشي في الوقت الحاضر، نظرًا لاعتماد سوريا خلال السنوات الماضية على تلك الإمدادات لسد احتياجاتها النفطية وتغطية جزء من العجز المحلي. ومع ذلك، فإن هذا التأثير لن يكون طويل الأمد أو ذا تأثير جذري على الاقتصاد السوري إذا تمكنت الدولة من استعادة السيطرة الكاملة على حقول النفط المحلية ورفع الإنتاج إلى مستوياته السابقة. حينها، لن تكون سوريا بحاجة إلى النفط الإيراني، وسيحقق قطاع النفط اكتفاءً ذاتيًا يُمكّنها من تلبية الاحتياجات المحلية بشكل مستدام، بل وربما التوسع نحو تصدير كميات من النفط إلى دول أخرى. علاوة على ذلك، سيقلل ذلك من الاعتماد على الحلفاء الخارجيين لتحقيق أمن الطاقة، مما يمنح سوريا مرونة أكبر في إدارة مواردها الاقتصادية بعيدًا عن الضغوط والارتباطات السياسية.
دعم الخليج وتركيا لسوريا بالنفط عند الحاجة
أثبتت دول الخليج العربي تاريخيًا استعدادها لدعم سوريا بالنفط عند الأزمات. في حال استمرار الأوضاع الحالية, قد تقدم دول الخليج دعمًا لسوريا عبر شحنات نفطية مجانية أو بأسعار تفضيلية، إلى جانب المساهمة في تمويل مشروعات الطاقة وإعادة بناء البنية التحتية لقطاع النفط، وتشجيع الاستثمارات الخليجية في القطاع النفطي السوري بمجرد تحسن البيئة الاستثمارية ورفع العقوبات الدولية.
كما يمكن أن تلعب دول الخليج وتركيا دورًا مؤثرًا في الضغط على قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لإعادة حقول النفط إلى سيطرة الدولة السورية، مما قد يفتح المجال لإعادة تنظيم القطاع النفطي وضمان استقراره تحت إدارة الدولة السورية.
عودة قطاع النفط السوري إلى العمل بكامل طاقته الإنتاجية يمثل أملًا حقيقيًا لإنعاش الاقتصاد الوطني السوري وتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية. ولكن يبقى تحقيق هذا الهدف مرتبطًا بتخفيف العقوبات، واستعادة الدولة السيطرة الكاملة على الحقول النفطية، وتنظيم عمليات الإنتاج والتصدير بما يخدم مصلحة الدولة السورية والشعب على حد سواء.