تشهد منطقة اليورو حالياً انتعاشاً يتوقع له أن يستمر مدفوعاً بأربعة عوامل قوية. فقد نما الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو بنسبة 1,6% على أساس سنوي في الربع الأول من عام 2015. ويمثل هذا تسارعاً في النمو مقارنة بعام 2014 الذي نمت فيه المنطقة بنسبة 0,9%، كما يمثّل تحسناّ كبيراً بالقياس لأيام الركود المظلمة للفترة 2012-2013. وقد حدث التعافي على نطاق واسع حيث جاء النمو في كل الدول الأساسية والطرفية بمعدلات مماثلة. وكانت الاستثناءات الملحوظة هي اسبانيا- حيث كان النمو فوق المتوسط عند نسبة 3,6%- واليونان، التي تقلّص فيها النمو بنسبة 0,8%. ومن المرجح أن يستمر الانتعاش في منطقة اليورو بمتوسط نمو تقديري نسبته 1,5% في عام 2015. و من المرجّح أن يكون هذا التعافي مدعوماً بأربعة عوامل على الرغم من المخاوف المستمرة بشأن ضعف النمو الممكن في الاقتصاد، وارتفاع معدل البطالة ومخاطر رشح سلبيات الاقتصاد اليوناني لبلدان المنطقة الأخرى.
أولاً، من المتوقع أن يؤدّي انخفاض أسعار النفط إلى تعزيز النمو من خلال رفع الاستهلاك. فقد انخفض سعر مزيج خام برنت بنحو 40% منذ يونيو 2014. وقاد هذا الانخفاض في أسعار النفط إلى تحقيق زيادة في الدخل المتاح للاستهلاك (أي الدخل بعد الإنفاق على البنزين)، وهذا بدوره يعطي حافزاّ لنمو الناتج المحلي الإجمالي. وتشير البيانات الأخيرة من فرنسا وألمانيا وإيطاليا أن التحفيز الناشئ عن انخفاض أسعار النفط قد بدأ فعلاً في تحقيق زيادة في الاستهلاك. ومن المرجّح أن يتحقّق المزيد من الفوائد في المستقبل، إذ أن الآثار الكاملة لانخفاض أسعار النفط على الاستهلاك تتحقّق عادة مع بعض التأخير. وإضافة لما ذكر أعلاه، فإننا نتوقع أن يتضاءل أثر هذا العامل الداعم للنمو بعد السنة الجارية مع الانتعاش المتوقع في أسعار النفط.
ثانياً، من المتوقع أن يؤدّي ضعف عملة اليورو إلى دعم النمو عن طريق زيادة صافي الصادرات. فمنذ مارس 2014، انخفض سعر الصرف الحقيقي لليورو بنسبة 15% تقريباً. وينبغي لذلك أن يجعل صادرات منطقة اليورو أكثر جاذبية بالمقارنة مع منافسيها، وبالتالي يجب أن يكون ذلك مفيداً للتجارة والنمو في المنطقة. وبالرغم من أنه لن يتم نشر التفاصيل الكاملة للناتج المحلي الإجمالي للربع الأول حتى 5 يونيو، إلا أن البيانات على المستوى القُطريّ تشير إلى أن التجارة لا تزال عاملاً معيقاً بدلاً من أن تكون عاملاً دافعاً للنمو، على الرغم من التراجع في قيمة اليورو. ولكن من المتوقع أن يتولّد عن ضعف اليورو دفعة كبيرة للنمو في المنطقة خلال أرباع السنة القادمة، شريطة أن لا يتعثّر النمو العالمي أثناء ذلك.
يعرّف الموقف المالي على أنه التغيير الذي يحدث في عجز الموازنة الهيكلي. وكلما كانت قيمة الموقف المالي أكبر، كان ذلك مؤشراً لسياسة مالية ميسّرة.
المصادر : صندوق النقد الدولي، وتحليلات وتوقعات مجموعة QNB
ثالثا، من المتوقع أن يكون الموقف المالي أقل إعاقة للنمو في المستقبل. فقد كان أحد الأسباب الرئيسية وراء الركود الذي حدث خلال عاميّ 2012-2013 في منطقة اليورو هو السياسة المالية المتشدّدة للغاية. وقد تقلّص العجز المالي الإجمالي في منطقة اليورو بأكثر من النصف خلال السنوات الأربع الماضية، حيث انخفض من 6,1% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2010 إلى 2,7% في عام 2014. ويقدّر أن الموقف المالي المتشدّد قد تسبّب في فقدان 0,5-1,0 نقطة مئوية من النمو السنوي بين عاميّ 2012-2013. ولكن المنطقة تبنت موقفاً مالياً أقل تشدّداً منذ ذلك الحين، وهو ما ساعدها في الخروج من الركود في عام 2014. ويتوقع أن تتّبع المنطقة ضبطاً مالياً أكثر تدرّجا في المستقبل، وهو ما يعني أن السياسة المالية سيكون لها تأثير محايد على النمو، بدلاً من التأثير السلبيّ الذي كان لها في الماضي.
رابعا، من المتوقع أن يقود فتح قنوات الائتمان إلى تحسين نمو الناتج المحلي الإجمالي. فقد كان النظام المالي في منطقة اليورو يعاني من التشظّي خلال الفترة 2012-2013، وهو ما شكّل أحد الأسباب الرئيسية للتباطؤ الاقتصادي. وهذا يعني أن التيسير النقدي لم يكن قد تغلغل بالكامل إلى البلدان الأوربية الطرفية، ولكنه وجد طريقه فقط إلى البلدان الأساسية. وقد تحسن الوضع منذ يونيو 2014 عقب قيام البنك المركزي الأوروبي بمبادرات لخفض تكاليف التمويل لدى البنوك وتوفير سيولة إضافية. وتم تتويج ذلك بالإعلان عن برنامج التيسير الكميّ السياديّ في شهر يناير.
يبدو أن تدخلات البنك المركزي الأوروبي قد استهدفت إصلاح بعض قنوات الائتمان المتصدّعة وتحسين جانب العرض من الائتمان. ونتيجة لذلك، انخفضت أسعار الفائدة على القروض الجديدة للشركات الصغيرة والمتوسطة غير المالية بنسبة 1,1% في إيطاليا و 1,2% في إسبانيا منذ مايو 2014. وعلاوة على ذلك، تقلص الفارق بين أسعار الفائدة في هذين البلدين ونظيرتهما ألمانيا بمتوسط 0,7% خلال نفس الفترة. ومن المتوقع أن يؤدي تحسّن قنوات الائتمان إلى نمو الإقراض بشكل أسرع، وهو ما سيؤدي بدوره إلى ارتفاع في نمو الناتج المحلي الإجمالي.
المصادر : البنك المركزي الأوربي، وتحليلات وتوقعات مجموعة QNB
عموما، تبدو منطقة اليورو الآن في وضع جيّد للاستفادة من هذه العوامل الأربعة الداعمة لنمو مستدام بنسبة 1,5% في عام 2015. إلّا أن المنطقة لا تزال تواجه معوّقات هيكلية، مثل بطء معدّل النمو الممكن، وارتفاع معدّل البطالة، والمزاج السلبي الذي قد ينشأ في حال انحراف المفاوضات مع اليونان عن مسارها المرسوم.