شكراً لماريو دراغي لأنه أخرج الأسواق العالمية من سباتها الذي جعل من قيم التداول ضعيفةً ومن هامش الفرق بين أعلى مستوى وأدناه متواضعاً للغاية. ولكن ماذا بعد تراجع اليورو دولار الحاد الى مستويات 1.1078$ اليوم صباحاً في آسيا وهو أدنى مستوياته في شهرين تماماً.
كنا قد أوضحنا سابقاً خلال الأسبوع الفائت أن ارتفاعات اليورو الى مستويات 1.1500$ تقريباً ستكون مؤقتة ليس لأننا نعرف أكثر من غيرنا بل لأن ضعف اليورو وبقاؤه عند مستويات متدنية يشكل هدفاً للسياسة النقدية للبنك المركزي الأوربي حتى لو لم يقل ذلك ماريو دراغي بشكل مباشر. العودة الى موضوع التضخم الضعيف بقي الشغل الشاغل لجميع المتابعين وهو حقيقةً أصبح معروفاً بل ومبتذلاً خاصة مع بقاء أسعار الطاقة ضعيفة وتراجع مستويات النمو والطلب في الصين.
محور الأهداف يبقى البيانات الأوربية والتي لم تقنع ماريو دراغي وتقنعنا نحن أيضاً بأن خطة التيسير النقدية تسير ولكنها يبدو بشكل أعرج. تراجعت مبيعات التجزئة لمنطقة اليورو بنسبة -0.6% خلال حزيران الفائت وعادت لتحقق نمواً متواضعاً بنسبة 0.4% في تموز ثم استقرت عند مستويات 0.0% في شهر آب دون أي ارتفاع حقيقي في زخم الاستهلاك على الرغم من ضعف اليورو وزيادة الكتلة النقدية الهائلة الرخيصة.
بالمقابل حقق اقتصاد منطقة اليورو نمواً بنسبة 0.3% في الربع الثاني على أساس ربع سنوي وهو جاء أقل من التوقعات وأقل من الربع الأول 0.4% في الوقت الذي أشارت فيه الأرقام الى وصول مؤشر أسعار المستهلكين الى مادون 0% في شهر أيلول الفائت حيث بقي عند مستويات -0.1% على اساس سنوي وهذا ما يعني فعلياً بداية حقيقية لما يسمى الركود ! أما الأهم فهو بلا شك الأقتصاد الأكبر والاهم في منطقة اليورو الاقتصاد الألماني الذي يبدو أنه يواجه تحديات هائلة من تراجع مستويات الثقة بعد فضيحة فولكس فاجن الى تراجع الصادرات والواردات في اقتصاد يعتبر التصنيع والتصدير العصب الحقيقي للنجاح الألماني .
تراجعت الصادرات الألمانية بنسبة -5.2% في شهر آب وهو بأكثر من التوقعات كما تراجعت الواردات كذلك بنسبة -3.1% ,في مؤشر الى تراجع مستويات الطلب. كما أن الانتاج الصناعي الألماني تراجع بنسبة -1.2% في شهر آب على أساس شهري مصحوباً بتراجع طلبات المصانع فب نفس الشره بنسبة -1.8%. قد يتساءل أحد ما ما هي الفوائد من هذه الأرقام كلها؟ انها ببساطة دليل آخر الى فشل جذئي لعمليات شراء الأصول من قبل المركزي الأوربي على الأقل حالياً والفشل بأن النقد الرخيص لن يحل مشكلة النمو والتضخم لوحده ووجود عوامل معقدة خارجية وديموغرافية واقتصادية وسياسية ... .
لنوضح فكرة هامة للغاية اليورو الضعيف سيكون جيداً للقارة الأوربية وليس خبراً سعيداً للأمريكين الذين يبدوا أنهم مازالوا تائهين حائرين بشأن رفع أسعار الفائدة. على الجهة الأخرى من المحيط الأطلسي حيث الولايات المتحدة الأمريكية تحقق نمواً اقصادياً يبدو مقبولاً بالمعايير الحالية لن تربح معركتها مقابل ضعف الين وتراجع اليوان وعملات الأسواق الناشئة اضافةً طبعاً الى اليورو الضعيف أصلاً لعوامل اقتصادية أساسية وعوامل تتعلق بالسياسة النقدية. هذه الدول الرئيسية, اليابان الصين ومنطقة اليورو تشكل الشركاء التجاريين الأهم للولايات المتحدة وبالتالي سيبقى الميزان التجاري الأمريكيخاسراً حالياً فما بالك اذا تم رفع أسعار الفائدة عندها سيصل الدولار الأمريكي الى مستويات هي بلا أشك أعلى.
نعتقد بأن قوة الدولار الأمريكي هي ليست أولوية للفيدرالي الأمريكي ولكن هذا ليس معناه أن اليورو سيبقى متراجعاً الى مستويات عميقة. وصول اليورو الى مستويات 1.10$ مقابل الدولار الأمريكي يبدو وارداً وبقوة ولكن حذار من ردة فعل خاطفة اذا لم ترتفع أسعار الفائدة الأمريكية أو بقيت الأرقام الأمريكية مخيبة للآمال عندها حتى صناع السياسة النقدية الأمريكية لن يسمحوا بارتفاع الدولار الأمريكي الى مستويات مؤذية للاقتصاد الأمريكي كما أن توقيع الاتفاقية الجديدة للتبادل التجاري بين دول المحيط الهادي لن يفيد كثيراً في جميع القطاعات الأمريكية .
من الواضح أن السياسات الحالية للبنوك المركزية هي ما يجعل المستثمرين والمتداولين تائهين بانتظار ارتفاع مستويات السيولة مجدداً. ان غياب الرؤية الواضحة لقرارات الفيدرالي الأمريكي يمنع الكثير من الدخول أو الرهان على صفقات طويلة الآجل حيث تبقى مستويات المخاطر عالية ’ والأسوء هو توقع استمرار هذه الموجة من الضعف في قيم وأحجام التداول وبقاء أسواق العملات مرهونةً بتطورات اسواق الأسهم , على الرغم أن توقعاتنا تبقى ايجابية الى حد ما اتجاه مؤشرات الأسهم في أوربا وخاصة ألمانيا. أن حرب العملات موجودة وبقوة حتى لو لم تكن معلنة, وهذا يجعلنا نعتقد بأن الكثير من التدخلات من قبل البنوك المركزية قادمة قريباُ ’ ترقبوا اليابان ..