هل اتخذت الصين قراراً خاطئاً؟

تم النشر 08/12/2015, 13:34

من المهم القول أننا قد لا نملك القدرة أو الوسيلة للوصول الى البيانات والارقام الاقتصادية الصينية كما تفعل القيادة الصينية وصناع السياسة النقدية والاقتصادية فيها. ان القرار الهام للقيادة الصينية بتحويل الاقتصاد من التصنيع والاعتماد على الصادرات الى الخدمات والاستهلاك الداخلي يحمل مضامين سياسية واقتصادية, مع سرعة نمو الاقتصاد الصيني خلال العقدين الأخيرين وناتج محلي يصل حالياً الى 11$ تريليون تضعه في المرتبة الثانية خلف الولايات المتحدة الأمريكية (17$ تريليون), اضافة الى ظهور أكبر طبقة وسطى في تاريخ العالم المعاصر مع ارتفاع مستويات الثروة والتعليم والانفاق الداخلي.


ان الصين المحكومة سياسياً بنظام الحزب الواحد (الشيوعي) كانت قد اتخذت قراراً تاريخيأً منذ ثلاثة عقود بتحرير الاقتصاد وجعله خاضعاً لشروط السوق الحرة والعرض والطلب, هذه السياسة التي بلا شك حققت النجاح الهائل للصين, حيث انفتح الاقتصاد الصيني على العالم, وكانت مستويات اليوان الضعيفة ورخص اليد العاملة سبباً هاماً في قدرة المنتجات الصينية على المنافسة العالمية, بيد أن الناحية السياسية بقيت مستقرة وبلا تغيير ولا يتوقع لها أن تتغير في المستقبل المنظور.


بالعودة الى النقطة الأولى, ان تغيير أساسيات نمو الاقتصاد الصيني يفرض بلا شك تحديات جديدة, ولكن نعتقد أن الصين قد تكون قاب قوسين أو أدنى من قرار قد لا يكون صحيحأً أو على أقل تقدير في غير مكانه بمعايير الاقتصاد الحقيقية والأساسية. ان قوة أي اقتصاد في العالم هي بقدرة اي اقتصاد على خلق انسجام بين جميع القطاعات الحقيقة, الصناعة, الزراعة, التجارة والخدمات وهي التي تشكل عصب الاقتصاد الحقيقي.

ان الاعتماد على الاستهلاك وقطاع الخدمات سيجعل الاقتصاد الصيني هشاً أمام الأزمات, كما أنه قد يرفع معدلات التضخم الى مستويات قياسية تسبب فقاعة تهدد الاقتصاد بكافة مكوناته. قد تعتبر الحكومة الصينية أن هذه الطريقة ستجنبها مخاطر الاقتصاد العالمي وتراجع مستويات الطلب, اضافةً الى الاعتماد على العالم الخارجي في رفع مستويات الصادرات وهذا بلا شك كلام منطقي, لكن هل بامكان الحكومة الصينية ضمان تحقيق معدلات نمو داخلية قوية؟ هل بامكانها ضمان أن ترتفع مستويات الانفاق والاستهلاك الداخي للمواطن الصيني الذي تختلف عقليته وتفكيره عن الأمريكي مثلاً؟


ان ما تقوم به الصين حالياً هو اعادة نسخ التجربة الأمريكية والتي قد لا تكون مثالاً جيداً في كافة القطاعات, خاصةً أن هذه الطريقة الأمريكية رفعت مستويات الدين الأمريكي الى مستويات تاريخية عند أكثر من 18$ تريليون بما يشكل 102% من الناتج المحلي الاجمالي, بينما تعتبر الصين أكبر حاملة للدين الأمريكية بقيمة 1.3$ تريليون من سندات الخزينة الأمريكية. اننا نعتقد أن مكونات الاقتصاد الصيني الحقيقة حالياً تتيح لهذا الاقتصاد أن يكون الأول عالمياً بالانتاجية والنوعية دون تغيير حقيقي في آليات بناء النمو التي بدأت فيها الصين حالياً. ان الاستثمار الحقيقي يكون في الاستثمار في الطاقات المتجددة "علوم الطاقة" وبناء يد عاملة خبيرة متقدمة وقوانين جديدة للضرائب وتحقيق توزيع أكثر عدالة للثروة العملاقة التي تكبر يوماً بعد يوم في الصين اضافةً لمعضلة التلوث التي تشكل تهديداً حقيقياً لحياة السكان وبيئة الأعمال على حد سواء.

قد تكون شركة علي بابا, الشركة الصينية العملاقة للتسوق الالكتروني والمدرجة في وول ستريت مثالاً واضحاً عن ضخامة النمو في القطاع الاستهلاكي, خاصة بعد أن أدرجت أسهمها في وول ستريت بقيمة وصلت الى 25$ مليار ليكون الاكتتاب الأكبر في التاريخ, في الوقت الذي تعتبر فيه الولايات المتحدة الأمريكية الصين أكبر تحد لها حالياً سياسياً واقتصاديا وليس روسيا كما يعتقد الكثير. ستكون الصين أمام مفترق طرق خلال الخمسة سنوات القادمة خاصة أن الصين في طريقها للتفوق على الولايات المتحدة الأمريكية كأكبر اقتصاد في العالم ودخول اليوان كعملة رئيسية في عملات التسويات لدى صندوق النقد الدولي مع بداية العام القادم 2016.

أحدث التعليقات

جاري تحميل المقال التالي...
قم بتثبيت تطبيقاتنا
تحذير المخاطر: ينطوي التداول في الأدوات المالية و/ أو العملات الرقمية على مخاطر عالية بما في ذلك مخاطر فقدان بعض أو كل مبلغ الاستثمار الخاص بك، وقد لا يكون مناسبًا لجميع المستثمرين. فأسعار العملات الرقمية متقلبة للغاية وقد تتأثر بعوامل خارجية مثل الأحداث المالية أو السياسية. كما يرفع التداول على الهامش من المخاطر المالية.
قبل اتخاذ قرار بالتداول في الأدوات المالية أو العملات الرقمية، يجب أن تكون على دراية كاملة بالمخاطر والتكاليف المرتبطة بتداول الأسواق المالية، والنظر بعناية في أهدافك الاستثمارية، مستوى الخبرة، الرغبة في المخاطرة وطلب المشورة المهنية عند الحاجة.
Fusion Media تود تذكيرك بأن البيانات الواردة في هذا الموقع ليست بالضرورة دقيقة أو في الوقت الفعلي. لا يتم توفير البيانات والأسعار على الموقع بالضرورة من قبل أي سوق أو بورصة، ولكن قد يتم توفيرها من قبل صانعي السوق، وبالتالي قد لا تكون الأسعار دقيقة وقد تختلف عن السعر الفعلي في أي سوق معين، مما يعني أن الأسعار متغيرة باستمرار وليست مناسبة لأغراض التداول. لن تتحمل Fusion Media وأي مزود للبيانات الواردة في هذا الموقع مسؤولية أي خسارة أو ضرر نتيجة لتداولك، أو اعتمادك على المعلومات الواردة في هذا الموقع.
يحظر استخدام، تخزين، إعادة إنتاج، عرض، تعديل، نقل أو توزيع البيانات الموجودة في هذا الموقع دون إذن كتابي صريح مسبق من Fusion Media و/ أو مزود البيانات. جميع حقوق الملكية الفكرية محفوظة من قبل مقدمي الخدمات و/ أو تبادل تقديم البيانات الواردة في هذا الموقع.
قد يتم تعويض Fusion Media عن طريق المعلنين الذين يظهرون على الموقع الإلكتروني، بناءً على تفاعلك مع الإعلانات أو المعلنين.
تعتبر النسخة الإنجليزية من هذه الاتفاقية هي النسخة المُعتمدَة والتي سيتم الرجوع إليها في حالة وجود أي تعارض بين النسخة الإنجليزية والنسخة العربية.
© 2007-2025 - كل الحقوق محفوظة لشركة Fusion Media Ltd.