انتعشت أسعار النفط بنسبة 33,1% إلى 62,0 دولار للبرميل بعد بلوغها أدنى مستوى في يناير . فما هو المحرّك الذي يقف وراء هذا الانتعاش؟ هل ترى يعود ذلك إلى تعافي الطلب وتحسّن الأوضاع الاقتصادية؟ أم أنه كان نتيجة لانخفاض العرض بعد أن أدى انخفاض الأسعار إلى خروج المنتجين ذوي التكلفة العالية من السوق؟ للإجابة على هذه الأسئلة، سنعتمد على منهجية تتيح لنا أن نفصل كمياً بين عوامل الطلب والعرض. توضّح منهجيتنا بأن الطلب بمفرده كان وراء الانتعاش الذي حدث مؤخراً، غير أن العرض هو الذي كان مسؤولاً عن معظم الانهيار الذي حدث في أسعار النفط بنسبة 60% خلال النصف الثاني من عام 2014. واستنتاجاتنا بشأن الأدوار النسبية التي يلعبها كل من الطلب والعرض تدعمها بيانات مستقلة صادرة عن وكالة الطاقة الدولية. ويشير هذا إلى أن الانتعاش في أسعار النفط لا يزال لديه فرصة لمزيد من التحسّن حيث لم يحدث تأثير انخفاض العرض حتى الآن. ونتيجة لذلك، فإننا نتوقع أن يرتفع متوسط أسعار النفط في عام 2016 إلى 64,1 دولار للبرميل من السعر المتوقع 56,2 دولار برميل لعام 2015.
هناك طريقة مبسطة للتمييز بين عوامل العرض والطلب، وهو أن ننظر إلى تأثيرهما على كل من أسعار النفط والأسهم. فعلى سبيل المثال، فإن ارتفاع الطلب العالمي نتيجة نمو أقوى سوف يرفع أسعار النفط. كما ينبغي لذلك أن يعزز أرباح الشركات، مما يؤدى إلى ارتفاع أسعار الأسهم. ومن ناحية أخرى، فإن الزيادة في النفط المعروض ستقود إلى خفض أسعار النفط، ولكن يجب أن يؤدي ذلك أيضا إلى انخفاض تكاليف الطاقة، وارتفاع أرباح الشركات وبالتالي إلى ارتفاع أسعار الأسهم. لذلك، فإن التحرك المشترك بين أسعار النفط والأسهم يوفر أساساً للتمييز بين مفاجآت العرض والطلب. فإذا تحركت أسعار النفط والأسهم في نفس الاتجاه، فإننا نفسر هذا بأنه ناجم عن مفاجأة الطلب. وعلى العكس من ذلك، اذا تحركت أسعارهما في اتجاهين متعاكسين، فإن تفسيرنا لذلك التحرك هو أنه مدفوع بمفاجأة عرض النفط. ومنهجيتنا عبارة عن نسخة معدلة من تلك التي استخدمت مؤخراً من قبل صندوق النقد الدولي.
1 العكس صحيح أيضاً: ينبغي للمفاجأة السلبية للطلب أن تؤدي إلى انخفاض في أسعار النفط والأسهم وأن يقود انخفاض المعروض من النفط إلى ارتفاع أسعار النفط وانخفاض أسعار الأسهم.
بتطبيق هذه المنهجية على البيانات اليومية لأسعار النفط (خام برنت) وأسعار الأسهم (مؤشر S & P500 باستثناء قطاع الطاقة). كما أننا نقوم كل يوم بإحالة سبب التغير في أسعار النفط، إما للتغيرات في توقعات الطلب العالمي (إن كانت أسعار النفط وأسعار الأسهم تتحرك في نفس الاتجاه)، أو إلى التغيرات في التوقعات بشأن إمدادات النفط (إن كانت أسعار النفط وأسعار الأسهم تتحرك في اتجاهات مختلفة). ونقوم بعد ذلك بجمع التغير ات في أسعار النفط التي تعزى إلى الطلب العالمي والتغيرات التي تعزى إلى إمدادات النفط خلال فترة من الزمن. وبذلك نتوصل إلى استنتاجين. أولاً، أسهمت إمدادات النفط بنسبة 54% من الانخفاض في أسعار النفط خلال الفترة من 19 يونيو 2014 إلى 13 يناير 2015 كما هو مبين في الرسم البياني الأول. ثانياً، يعزى الانتعاش في اسعار النفط من 14 يناير 2015 إلى اليوم حصرياً إلى الطلب العالمي (97%) كما هو مبين في الرسم البياني الثاني.
لقد حققت المنهجية نتائج معقولة. فعلى سبيل المثال، عزت هذه المنهجية ما حدث من تراجع في أسعار النفط وقت انعقاد اجتماع منظمة الأوبك 27 نوفمبر 2014 إلى العرض على نحو صحيح. فقد فاجأت المنظمة أسواق النفط بعدم خفضها لسقف انتاجها، وهو ما أدى إلى انخفاض حاد في اسعار النفط وارتفاع لأسعار الأسهم.
المصادر : بلومبيرغ وتحليلات قسم الاقتصاد في QNB
كما أن النتائج التي تم الحصول عليها باستخدام منهجيتنا أيضاً متسقة مع البيانات المستقلة الصادرة من وكالة الطاقة الدولية. لقد ظلت وكالة الطاقة الدولية من يونيو 2014 إلى ديسمبر 2015 تعدّل باستمرار توقعاتها للإنتاج من خارج أوبك في 2015 إلى أعلى، وتعدّل توقعاتها للطلب العالمي إلى أسفل. وهذا يدعم استنتاجنا الأول الذي مفاده بأن العرض والطلب كلاهما مسؤولان عن انخفاض أسعار النفط خلال هذه الفترة. وعلاوة على ذلك، لم تتغير توقعات وكالة الطاقة الدولية للإنتاج في عام 2015 من خارج أوبك في يونيو 2015 مقارنة بديسمبر 2014، بينما ظلت وكالة الطاقة الدولية باستمرار تعدّل توقعاتها للطلب العالمي إلى أعلى منذ نهاية العام الماضي. وهذا يتماشى مع استنتاجنا الثاني الذي مفاده بأن انتعاش أسعار النفط يعزى إلى الطلب بمفرده.
باختصار، إن منهجيتنا الجديدة تتيح لنا أن نفصل عوامل الطلب من مفاجآت العرض، وتتسق استنتاجات هذه المنهجية مع البيانات الأخرى في سوق النفط. وتظهر هذه المنهجية بأن الانتعاش الأخير في أسعار النفط كان مدفوعاً بتحسّن في الطلب. وقد يكون هذا عائداً إلى تحسّن آفاق النمو في الاقتصادات المتقدمة، وخاصة في منطقة اليورو واليابان. إن توقعاتنا باستمرار أسعار النفط في الانتعاش مبنية على فرضية أن منتجي النفط عالي التكلفة، وخاصة منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة، سوف يضطرون لخفض انتاجهم تحت ضغط الانخفاض في اسعار النفط. ولكن استناداً إلى منهجيتنا، فإن ذلك لم يتحقق بعد. وعليه، نتوقع أن تقود استقطاعات الإمدادات لدفع أسعار النفط إلى أعلى ابتداءً من 2016.