ان قرار حظر التصدير في عام 2008م كان يهدف إلى مواجهة أزمة الاسمنت التي تواجهها السعودية خلال تلك الفترة. فبلغ حجم إنتاج شركات الإسمنت المحلية من مادة الكلنكر (المادة التي يتم تحويلها إلى المنتج النهائي الاسمنت) في عام 2007م ما يعادل 27 مليون طن سنويا وتضاعفت قدرات الشركات السعودية من إنتاج هذه المادة إلى 57 مليون طن سنويا في عام 2015م.
لقد تضاعفت كميات المخزون من الكلنكر من مليون ونصف المليون طن في عام 2007م حتى تجاوزت ٧ مليون طن في عام 2008م مع صدور قرار منع التصدير، وبقي مستوى مخزون الكلنكر لدى الشركات مجتمعة يترواح بين 7 وحتى 11 مليون طن خلال الفترة من 2008م إلى 2012م وهو مستوى عالي جدا مقارنة مع ما كان الوضع عليه خلال الفترة من 2005م إلى 2007م الذي تراوح فيه مستوى المخزون بين مليون ونصف حتى 3 مليون طن.
خلال منتصف عام 2013م صدر قرار إلزامي للشركات السعودية بإستيراد 10 مليون طن إضافية مما ساهم بمضاعفة مخزون الكلنكر من ستة ملايين ونصف مليون طن عام 2012م إلى 14 مليون طن في عام 2013م ومع استكمال استيراد كامل الكمية المُلزمة على الشركات ودخول خطوط الانتاج الجديدة من الشركات السعودية ارتفع مخزون الكلنكر إلى أكثر من 22 مليون طن في عام 2015م وهو أعلى مخزون في تاريخ شركات الاسمنت السعودية.
كانت شركات الاسمنت تهدف إلى تكوين هذا المخزون من مادة الكلنكر بما يعرف المخزون الإستراتيجي الذي يدعم تزويد الأسواق بالاسمنت الكافي في حال حدوث أي خلل في عملية الإنتاج. لكن زيادة هذا المخزون لكميات كبيرة جدا يسبب خسارة للشركات باعتبار أنه يصعب تخزينه لفترة طويلة.
لذلك فإن قرار السماح بإعادة تصدير الاسمنت الذي صدر مؤخرا يهدف إلى التخفيف من هذا المخزون العالي وحل للمشكلة التي واجهتها الشركات من احتمالية خسارتها بسبب تراكم هذا المخزون في ظل التوقعات الحالية بتباطؤ النمو للمشاريع الإنشائية في السعودية للفترة المقبلة.
السؤال الذي يطرح نفسه، هل كنا بحاجة فعلا لاستيراد 10 مليون طن في منتصف عام 2013م لنقوم في بداية 2016 بالسماح بإعادة التصدير مرة أخرى خلال أقل من 3 سنوات فقط؟ وهل تم استهلاك هذه العشرة ملايين طن التي تم استيرادها أم أنها كانت بمثابة عبء جديد على المخزون المتراكم من الكلنكر؟
بالاضافة إلى ذلك، فقد قامت المملكة بدعم الشركات بـ 50 ريال لكل طن تم استيراده لتخفيف الضغط المالي على الشركات بحكم أن الأسعار خارج المملكة أغلى مما هي عليه داخلها وهذا يعني نصف مليار ريال يضاف إليها ما تحملته الشركات أيضا من نقل وتخزين وشحن هذه الكميات لهذه الفترة. مما يضاعف الخسارة المالية للحكومة والشركات من هذا القرار ويُضاف إلى هذه الخسارة المالية الخسارة التي ستتم بإعادة تصدير الاسمنت مرة أخرى وهو ما كان يمكن تلافيه منذ البداية بعدم الإستيراد.
لقد كان الهدف من استيراد العشرة ملايين طن كان تخفيف أزمة الاسمنت في السعودية. ولكن المشكلة لم تكن بكفاية تصنيع مادة الاسمنت لوحدها فالشركات السعودية كان لديها القدرة على زيادة طاقتها الإنتاجية لو تم تزويدها بالوقود الكافي لخطوط إنتاجها الجديدة من قبل أرامكو المزود الرئيسي للوقود. إضافة إلى مشكلة النقل التي تواجه الشركات في السعودية فمع غياب سكك الحديد التي تربط أراضي البلاد مترامية الأطراف أصبح هناك فجوة ما بين العرض والطلب في بعض المناطق وهو نتيجة طبيعية لكثافة المشاريع الإنشائية.
اما وسيلة النقل كانت بإستخدام الشاحنات الوسيلة الوحيدة والمكلفة أيضا في نقل الاسمنت من الشركات التي تقع في مناطق لديها وفرة في الإنتاج إلى مناطق أخرى لديها طلب عالي للاسمنت، خصوصا أن أزمة الاسمنت التي انتشرت في أواخر عام 2013م في بعض المناطق تزامنت مع الحملة التصحيحية للعمالة المخالفة ومعلوم أن قطاع النقل لدينا يعتمد اعتماد شبه كلي على العمالة الأجنبية وليس على العمالة الوطنية.
هذا القرار لم يتضمن الطاقات الإنتاجية والتوسعات التي قامت بها الشركات في خطوط إنتاجها التي دخلت السوق خلال الخمس سنوات الأخيرة وتحسين العملية الانتاجية للخطوط بإضافة مشروع استغلال الطاقة الحرارية المفقودة الذي بدأت عدة شركات في تركيب هذا النظام لزيادة كفاءة الطاقة والإنتاج.
بالاضافة إلى أنه لم يأخذ بعين الاعتبار المشكلة، التي تتكرر في كل عام مع نقل الاسمنت من المناطق البعيدة في شمال وجنوب المملكة إلى المناطق التي تستحوذ على أغلب مشاريع الإنشاء مثل الغربية والوسطى. فلو تم المساهمة في تطوير وحل مشكلة النقل مما يجعل تحرك الاسمنت بين المناطق أسرع وبقيمة معقولة مما سيُسهم في حل المشكلة دون اللجوء للاستيراد.
الوقوع بمثل هذه الأخطاء من القرارات أمر طبيعي بحكم أن القرار يتم في ظل الظروف المتوفرة خلال فترة إتخاذ القرار ولكن الأهم أن نتعلم من هذه الأخطاء لكي لا تتكرر في المستقبل.