المواطن وحده من يدفع ثمن الإصلاحات الاقتصادية المتأخرة
تواجه دول منطقة الخليج العربى أصعب مأزق اقتصادى لها منذ الأزمة المالية العالمية فى الوقت الراهن، بعد انهيار أسعار البترول، ومن المقرر تصاعد تلك الأزمات بعد رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران.
ويشكّل الدخل من صادرات البترول 25% من عائدات إيران، فى العام المالى الذى يبدأ 21 مارس المقبل، وفقا لمشروع الموازنة المقدم إلى البرلمان الأحد الماضى مقارنة مع 70% فى المملكة العربية السعودية.
وقال عادل عبدالغفار، زميل فى مركز «بروكنجز» الدوحة «إيران ما زال لديها الكثير لتعويض ما فقدته قبل أن تتمكن من التنافس مع اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجى، وتحتاج إلى مزيد من الاستثمارات لتطوير البنية التحتية».
وأضاف أن إيران ودول مجلس التعاون الخليجى فى مراحل مختلفة من النضج الاقتصادى وتتباين قدرتها على اللحاق بالركب، ومع ذلك يمكن أن تكون إيران منافسا خطيرا.
وذكرت وكالة «بلومبيرج» أن الحكومات فى جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجى الست تتخذ حاليا إجراءات غير مسبوقة لمواجهة تراجع أسعار البترول، والحد من بعض نظم الرعاية الأكثر سخاء فى العالم من أجل سد اتساع العجز فى الموازنة.
وفى بعض البلدان، يواجه المقاولون تأخيرات فى المدفوعات الحكومية، فى الوقت الذى تتحرك فيه الشركات نحو خفض قواها العاملة لخفض التكاليف.
وأشارت الوكالة إلى توسع خسائر أسواق الأسهم فى دول مجلس التعاون الخليجى منذ مطلع الشهر الجارى، حيث من المقرر أن يضيف بترولها وفرة فى المعروض العالمى، وهو بمثابة ضربة قوية للأسواق التى تعانى بالفعل من انخفاض أسعار البترول الخام والبيع الكبير فى الأسواق العالمية.
وفى الوقت الذى وصلت فيه أسعار البترول دون 30 دولارا للبرميل، قد يتعين على الحكومات مواصلة خفض النفقات والمزايا التى تمتّع بها المواطنون على مدى عقود وخصوصا مع تزايد الاضطرابات الإقليمية والحروب بالوكالة مع إيران، فى سوريا، واليمن.
وقال سايمون وليامز، كبير الاقتصاديين لوسط وشرق أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى بنك «اتش اس بى سى» اعتمد الخليج على صادرات الطاقة والقطاع العام لمدة 40 عاما وليس هناك إجابات سريعة أو سهلة لحل المشكلات الراهنة.
وأضاف «سوف يتعين على المواطنين تحمل عبء الاصلاحات، ومواجهة ارتفاع التكاليف وتراجع الدخل الحقيقى حال عدم وجود موجة صعود فى أسعار البترول».
واستخدمت دول مجلس التعاون الخليجى أثناء فترة فرض العقوبات الاقتصادية على ايران، عائدات البترول خلال العقد الماضى لتعزيز احتياطياتها وإنشاء صناديق الثروة السيادية التى استحوذت على حصص فى شركات مثل «بنك باركليز» وشركة «جنرال الكتريك» وتضخم القطاع العام الحكومى من المواطنين فى حين ارتفعت غالبية وظائف القطاع الخاص للأجانب.
وأشارت الوكالة إلى أن التغيير يمضى ببطء، حيث تراجع صافى الأصول الأجنبية للبنك المركزى السعودى 96 مليار دولار فى الـ 11 شهرا الأولى من 2015 لتبلغ قيمة 628 مليار دولار، وباعت الحكومة سندات للمرة الأولى منذ عام 2007 لتمويل عجز الميزانية الذى بلغ نسبة 15% من الناتج الاقتصادى.
وتخطط السلطات لبيع حصص فى الأصول المملوكة للدولة من المستشفيات إلى الطرق والمطارات وخفضت دعم الوقود.
وقال رضا أغا، كبير الاقتصاديين فى الشرق الأوسط فى «تى بى كابيتال» «تواجه المملكة أول تحد مالى حقيقى منذ أكثر من 15 عاما»، مضيفا أن اتخاذ مثل هذه التدابير بمثابة شىء كبير.
جاء ذلك فى الوقت الذى أعلن فيه محمد بن سلمان، نائب ولى العهد فى مقابلة مع مجلة «إيكونوميست» خصخصة أجزاء من «أرامكو» أكبر شركة بترول فى العالم.
ولم يعد أى إصلاح اقتصادى من المحرمات، بما فى ذلك تسريح العاملين فى القطاع العام، ورفعت البحرين، وعمان، أيضا أسعار الوقود، وحاليا تدرس السلطات فى مسقط، خططا لإزالة جميع الإعفاءات الضريبية للشركات.
وفى دولتى الإمارات، وقطر، اللتين يرى صندوق النقد الدولى أنهما الأفضل استعدادا لمواجهة تراجع البترول أكثر من غيرهما قامتا بخفض الدعم الحكومى.
وأشار توبى ماثيزن، زميل أبحاث فى جامعة أكسفورد، إلى أن هذا العقد السياسى بين الحكام والمواطنين يقوم على توفير الثروة للمواطنين، وبالتالى فإن أى تعديل للدعم أو الخدمات الأخرى يقابله بعض المخاطر السياسية.
وتعانى أسواق المنطقة فى الوقت الراهن حيث تتحرك البنوك بصورة كبيرة لإقراض بعضها البعض، فى الوقت الذى يشكك فيه المستثمرون فى قدرة التزام البنوك المركزية فى المنطقة بربط عملتها بالدولار.
وتراجع مؤشر التداول العام فى المملكة العربية السعودية 5.4% الاحد الماضى مواصلا خسائره العام الماضى إلى 35%. وانخفض مؤشر الأسواق الناشئة «إم اس سى اى» بنسبة 26% خلال الفترة نفسها.
وقال محمد السويد، رئيس أسواق المال ورأس المال فى «أديم كابيتال» فى الرياض، إن الغموض مرتفع وجميع الأخبار المحيطة سيئة، مع رفع العقوبات عن إيران، وتوقع تدفقات كبيرة فى سوق البترول باحتياطيات البترول لديها.
وأعلنت شركة الاتحاد للقطارات، المطور والمشغل لشبكة السكك الحديدية فى الإمارات، أنها تتحرك نحو خفض حوالى 30% من القوة العاملة لديها، فى سعى أبوظبى، لخفض التكاليف بعد تراجع أسعار البترول.
جاء ذلك فى الوقت الذى يسعى فيه البنك الوطنى فى رأس الخيمة، لخفض 250 وظيفة بعد توقعه تباطؤ النمو الاقتصادى.
وفى دراسة نشرت ديسمبر 2014، أدرج صندوق النقد الدولى دبى، باعتبارها مثالا ناجحا للتنويع الاقتصادى فى منطقة الخليج.
وأوضحت الدراسة أن تقليل الاعتماد على البترول «صعب للغاية»، ويعتمد عادة على السياسات التى طبقت قبل صدمة الأسعار.