تراجعت عملة بتكوين عن أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 69 ألف دولار في 9 نوفمبر 2021، وعانت من انهيار مفاجئ مؤلم بقيمة 12 ألف دولار خلال عطلة نهاية الأسبوع الأولى في ديسمبر وسط إغلاق المراكز ذات الرافعة المالية، ومع ذلك، حتى عند السعر الحالي البالغ 49 ألف دولار، يستمر الضيوف في الأخبار التلفزيونية المالية في الترويج لها على أنها أفضل الأصول أداءً في السنوات الماضية، كما أنهم يحكمون عليها بشكل متزايد باعتبارها استثمارًا ذا مصداقية في حد ذاته.
هذا يتناقض مع وجهة النظر المتشككة منذ فترة طويلة من قبل العديد من الاقتصاديين وغيرهم الذين يرون أن بتكوين، في الواقع، هي مخطط بونزي، عالم الكمبيوتر البرازيلي خورخي ستولفي هو أحد الأصوات التي أكدت ذلك، ويرتكز رأيه على الملاحظات التالية: يشترى المستثمرون متوقعين الأرباح، يتم الحفاظ على هذه التوقعات من خلال توزيع أرباح من أولئك الذين يضعون المزيد من الأموال في المخطط، لكن لا يوجد مصدر خارجي لتلك الأرباح، بل هي تأتى بالكامل من استثمارات جديدة، ويأخذ المشغلون جزءًا كبيرًا من المال.
كل هذا يبدو صحيحًا، ولكن عند تشبيه بتكوين بأنها مخطط بونى، يمكن القول إن النقاد يتعاملون بلطف شديد فيما يتعلق بتهمتين. أولا، ليس لدى بتكوين نفس نهاية لعبة مخطط بونزي، ثانيا، إنها تشكل لعبة ذات نتيجة سلبية للغاية من منظور اجتماعي واسع.
من الناحية الأولى، من المفيد تقييم أوجه تشابهها مع المخطط الأصلي الذي ابتكره تشارلز بونزي، في عام 1920، وعد بونزي بربح نسبته %50 على استثمار لمدة 45 يوما وتمكن من دفع هذا المبلغ لعدد من المستثمرين، ثم عانى وتمكن من النجاة من تكالب المستثمرين عليه حتى انهار المخطط في نهاية المطاف بعد أقل من عام عليه.
في أكبر مخطط بونزي وربما الأطول في التاريخ، دفع بيرنى مادوف عوائد بنحو واحد في المائة شهريا، وعرض صرف أموال المشاركين في خطته، سواء المبلغ الأصلي «المستثمر» أو «العائد» عليه، ونتيجة لذلك، كان من الممكن بل وتعرض المخطط للتكالب عليه لسحب الأموال، وأدت الأزمة المالية الكبرى لعام 2008 إلى سلسلة من عمليات الاسترداد من قبل المشاركين وانهيار المخطط.
على النقيض من الاستثمارات مع مادوف، لا يتم شراء بتكوين كأصل مدر للدخل بل بالأحرى كأصل صفري الفائدة، وبمعنى آخر، لا تعد بشيء كعائد مستمر ولا تستحق أبدًا عند أجل محدد ويترتب على ذلك أنه لا يمكن أن تعاني من تكالب عليها، والطريقة الوحيدة التي يمكن لحامل بتكوين من خلالها صرف النقود هي البيع إلى شخص آخر.
قد يبدو انهيار بتكوين مختلفا تماما عن انهيار مخطط بونزى أو مادوف، قد يكون أحد المحفزات المحتملة هو انهيار ما يسمى بالعملة المستقرة، أي الدولار الأمريكي المصطنع الذى نشأ لتوفير جزء نقدى لمعاملات العملة المشفرة، ونظرا لغياب التنظيم والإفصاح، فليس من الصعب تخيل عملات مستقرّة كبيرة «تكسر القواعد»، كما حدث مع صندوق سوق المال المنظم الذى احتفظ بورقة ليمان في عام 2008، وقد يؤدى هذا إلى تعطيل بيئة التشفير بالكامل بحيث يمكن ألا تكون هناك أي عروض شراء لبتكوين، قد يغلق السوق إلى أجل غير مسمى.
في هذه الحالة، لن يكون ثمة جهد قانوني طويل الأمد لمطاردة أولئك الذين صرفوا عملة بتكوين الخاصة بهم في وقت مبكر، ولن يكون لمالكي بتكوين أي حقوق على أولئك الذين اشتروا وباعوا مبكرا.
وفقا لتدفقاتها النقدي، تشبه عملة بتكوين مخطط ضخ وتفريغ الأسهم الصغيرة أكثر من مخطط بونزي، في مخطط الضخ والتفريغ، يكتسب المتداولون أسهمًا لا قيمة لها بشكل أساسي ويتحدثون عنها وربما يتداولونها فيما بينهم بأسعار مرتفعة قبل تفريغها إلى أولئك الذين تجذبهم الثرثرة وحركة السعر، ومثل مخطط الضخ والتفريغ، تستغل عملة بتكوين الرغبة الخالصة لتحقيق مكاسب رأسمالية، ولا يستطيع المشترى الوقوف على مرأى من الأصدقاء وهم يزدادون ثراءً بين عشية وضحاها: فهم يعانون من خوف حاد من فقدان الفرصة، وعلى أي حال، لا تقدم بتكوين أي وعود ولا يمكن أن تنتهي مع انتهاء مخطط بونزى.
فيما يخص التهمة الثاني، ثمة اختلاف كبير آخر بين نظام بتكوين ونظام بونزى وهو أن الأولى، من وجهة نظر إجمالية أو اجتماعية، لعبة ذات نتيجة سلبية، إلى الحد الذي يتم فيه استخدام الموارد الحقيقية للتكالب على الانسحاب من بتكوين، يكون الأمر مكلفا بطريقة لم تبلغها أبدا عملية مادوف المكونة من شخصين أو ثلاثة رجال، ومن وجهة النظر الاجتماعية، فإن ما استفاد به مادوف من مخططه واستهلكه بالأخير هو إعادة توزيع الأموال في لعبة محصلتها صفر، والملاحظة الرابعة للعالم ستولفى أعلاه أن «المشغلين يأخذون جزءا كبيرا من المال» والذى يزيد على ما أخذه مادوف وإيرادات شركات تعدين بتكوين ، لكن هذه المكاسب مختلفة تماما من الناحية الاقتصادية.
في الختام، يجب أن يعترف أي تحليل اقتصادي لعملة بتكوين بتفردها في تاريخ الهوس، ففي مجال للمضاربة، فإن بتكوين غير مسبوقة من حيث الدرجة، ويتميز هوس ما بعد الحداثة هذا بأسعار باهظة إذ لا يخلص إلى مدخل في ميزانيات أحد، ووصل بالفعل الأصل الدائم ذو العائد الصفري وليس كمزحة وإنما كأصل قيمته تريليون دولار، ولى عكس مخطط بونزي، لا يمكن أن تنتهي عملة بتكوين بالتكالب عليها لسحب الاستثمارات.
في حالة وقوع انهيار، سيخسر حاملو بتكوين بشكل جماعي ما دفعوه لشركات التعدين مقابل عملات بتكوين الخاصة بهم، وقد لا يكون هذا المبلغ بعيدًا عن المبلغ المستثمر في الأصل مع مادوف، بعد حساب التضخم، لكن ملاك بتكوين لن يكون لديهم من يلاحقهم لاسترداد هذا المبلغ الذي سيكون ببساطة قد تبخر كالدخان، وسيمثل خسارة اجتماعية، عندئذٍ سيتمنى أصحاب بتكوين فقط لو أنها كانت تشبه مخطط بونزي.
بقلم: روبرت ماكولي، زميل كبير غير مقيم في مركز سياسة التنمية العالمية بجامعة بوسطن وعضو مشارك فى كلية التاريخ بجامعة أكسفورد.
المصدر: صحيفة «فاينانشيال تايمز»