يهاجم متخصصون ومتعاملون اقتصاد في الجزائر نمطية الإنفاق العام، ويبدون إستعجابهم إزاء إنفاق ما يقارب 500 مليار دولار منذ العام 2001، في وقت يٌتوقع إقدام الحكومة على تسريح قسم من موظفي القطاع العام أو خفض الرواتب للتعامل مع العاصفة المالية الأوروبية التي تنذر باجتياح بلد مرتهن اقتصاديًا وقد تكبد الاقتصاد الجزائري لخسائر جسيمة جراء استمرار ثالوث الفساد والتبذير والتهرب الضريبي، ما ينذر بتبعات وخيمة، ما لم يتم التدارك.
واعتمدت الحكومة الجزائرية خلال العشرية المنقضية على النفقات العمومية، ما قفز بإجمالي موازنات البرامج الاستثمارية إلى أكثر من 450 مليار دولار، توزّعت على مخطط الإنعاش (2001 – 2004)، ودعم النمو (2005 – 2009)، والمخطط التكميلي (2010 – 2014)، في وقت يتحدث متابعون عن أكثر من خمسمائة مليار دولار، سيتم إنفاقها بحلول العام 2014، ويدعمون كلامهم بكون الاستثمارات غير المكتملة (المشاريع التي ظلت عالقة منذ سنة 2004) ابتلعت وحدها 150 مليار دولار.
ويشيرالخبير الاقتصادي سليم لعجايلية إلى انه في ظل غياب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فإن قيمة النفقات، على ضخامتها، جرى توجيهها إلى اقتصاد له قدرات امتصاص ضعيفة، فلا توجد فيه مؤسسات وطنية ووسائل إنتاج قادرة على الالتزام بتطبيق ما يُرسم من خطط وبرامج وينتقد لعجايلية الارتفاعات المستمرة لموازنات الدولة خلال السنوات الأخيرة، والتي طالت نفقات التسيير – تشمل أجور موظفي القطاع العام-، فخلال سنة 2011 ارتفعت هذه النفقات مقارنة مع سنة 2010 بنسبة 25 %، ويُرتقب أن ترتفع في سنة 2012 بنسبة 7 % مقارنة مع السنة الحالية، ما سيعمق عجز الميزانية إلى مستوى يتعدّى 54 مليار دولار، بسبب الزيادة المفرطة في النفقات، علمًا أن قيمة العجز المتوقعة تعادل ربع الناتج الداخلي الإجمالي للجزائر، وهي نسبة مخيفة إذا ما قورنت بوضع بلد، كاليونان، وهو أكثر الدول المتضررة في أزمة منطقة اليورو، حيث يعاني اليونانيون عجزًا في الموازنة، لا يتجاوز 13 %، فكيف سيكون مستقبل بلد سيصل عجزه إلى 25 %؟.
عند تحليل هيكلة النفقات العمومية الجزائرية، يشير محللون إلى تواصل ارتفاع موازنة التسيير خلال العام 2012، بالتزامن مع عجز إيرادات الجزائر خلال السنة نفسها عن تغطية تلك النفقات وفي هذا الاطار رد وزير المال الجزائري كريم جودي على ذلك بالإعلان عن أنّ بلاده ستضطر إلى تقليص نفقات التجهيز المرتبطة بالمشاريع العمومية، مستبعدًا خفض ميزانية التسيير، خشية نشوب احتجاجات اجتماعية عارمة.
وقال ممثلون عن إدارات الشرطة والجمارك، أن الخزانة العامة في الجزائر تكبدت خسائر فادحة زادت عن 7 مليارات دينار، وذلك بسبب الجرائم الاقتصادية المتتالية، التي كان عدد من المصارف وعشرات المراكز البريدية مسرحًا لها.
وقد تصاعدت تفاقمت هذه الجرائم خلال السنوات العشر الأخيرة، وغالبًا ما كان أبطالها كوادر وموظفين، وكذا من يُعرفون بـ"الوسطاء"، والمثير أنّ كثيرًا من تلك الجرائم جرى اكتشافها بعد سنتين من حدوثها، وهو ما يصفه متابعون بـ"الخطر"، وسط أحاديث لم تنته عن إصلاح مالي وتكثيف أنظمة الرقابة لم تكن فضيحة بنك الخليفة والخسارة، التي تكبدتها الخزانة العامة بـ1.7 مليار دولار، سوى مقدمة لتعرية حجم التجاوزات المالية، لاسيما في منظومة البنوك الخاصة، التي تمخضت عن كثير من الثغرات.