لقد كان هذا الأسبوع الماضي مليئا باجتماعات البنوك المركزية، لكن أهمها بلا شك كان اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي، ورغم أن البنك المركزي الأمريكي ليس مستعدا لإبطاء مشترياته من السندات تماما حتى الآن، فإن الإعلانات بعد اجتماعه شكلت نقطة انعطاف من الدعم غير المقيد للنمو والأسواق المالية إلى العملية الطويلة المتمثلة في إنهاء التحفيز والتضييق في النهاية.
قال جاي باول إن بنك الاحتياطي الفيدرالي يمكنه “المضي قدمًا بسهولة” بالإعلان عن “تقليص تدريجي” لمشترياته من الأصول في نوفمبر إذا استمر الاقتصاد في التحسن كما هو متوقع، وكان هذا متوقعًا إلى حد كبير، وهو ما يفسر تجاهل الأسواق له، لكن معلومتين أخريتين أضافتا ملاحظة متشددة لتوجيهات بنك الاحتياطي الفيدرالي.
عندما يأتي التقليص التدريجي، سيكون شديد الانحدار إذ قال رئيس الاحتياطي الفيدرالي إن المشتريات قد تنتهي تماما في منتصف العام المقبل من 120 مليار دولار شهريا اليوم، ويتوقع نصف المسئولين الذين يحددون أسعار الفائدة في الاحتياطي الفيدرالي حاليا أن تبدأ أسعار الفائدة في الارتفاع في وقت أقرب في العام المقبل، ويضع البنك المركزي مسارا محسوبا ولكن محددا للخروج، وذلك في الوقت الذي يصبح فيه الاقتصاد في حالة عدم يقين أكبر.
كانت أرقام الوظائف الأمريكية ضعيفة بشكل غير متوقع الشهر الماضي، وكان الانتعاش مستقرا في بعض النواحي حيث تسبب متحور دلتا في تجدد الوباء في معظم أنحاء البلاد، وفي الواقع، خفّض صانعو السياسة في الاحتياطي الفيدرالي توقعاتهم للنمو في عام 2021 تماما كما رفعوا توقعاتهم بشأن التضخم مقارنةً بتوقعاتهم في يونيو، بعبارة أخرى، هم يرون ظروف في جانب العرض أكثر سوءًا من ذي قبل، مما يزيد من المعضلة أمام البنك المركزي الذي يتعين عليه المقايضة بين المخاطرة بالنمو أو التضخم.
واستنادا على كل ذلك، فإن الاحتياطي الفيدرالي محق في تمهيد الطريق لسحب المحفزات، وأصبحت معاييره المعلنة مسبقا للقيام بذلك مرضية، وإذا تقدم الاقتصاد كما يخطط بنك الاحتياطي الفيدرالي، فإن كل الدلائل تشير إلى أنه يمكن أن يبدأ دورة التضييق دون التسبب في اضطرابات في الأسواق، وهذا من شأنه أن يشهد لصالح الإدارة الماهرة من قبل الاحتياطي الفيدرالي، بقيادة بول، للظروف الاقتصادية وعلم نفس السوق.
ويكمن الخطر في أن هذا المسار رهينة الحظ، خاصة وأن الاحتياطي الفيدرالي سيجد صعوبة في تأخير “التطبيع” الموعود، ناهيك عن عكسه، إذا خيب الاقتصاد الآمال، ومع ذلك، لا ينبغي للاحتياطي الفيدرالي أن يعتبر عكس المسار بمثابة إذلال بل يجب أن تسترشد السياسة بالبيانات، والبيانات غير مؤكدة.
قد يمر وقت طويل من العام المقبل قبل أن يصبح المسار المستقبلي للتضخم أكثر وضوحا، أما في الوقت الحالي بينما يبحر الاحتياطي الفيدرالي عبر الضباب الحالي، يجب أن يكون مستعدًا لتغيير مساره بسرعة إذا كانت المخاطر تلوح في الأفق فجأة، وما ينطبق على الاحتياطي الفيدرالي صالح إلى حد كبير للبنوك المركزية الأخرى، فهم يواجهون نفس المعضلات والشكوك بدرجات متفاوتة.
يواجه بنك إنجلترا، على وجه الخصوص، ارتفاعا قويا في التضخم بينما يظل الناتج الاقتصادي البريطاني بعيدا عن مستويات ما قبل الوباء، كما أن الاقتصاد البريطاني أكثر عرضة للتقلبات الخارجية من اقتصاد الولايات المتحدة أو منطقة اليورو.
بينما تركت لجنة السياسة النقدية في بنك إنجلترا سياستها دون تغيير يوم الخميس، فقد تضطر إلى اتخاذ خيار غير مستساغ بالبدء في سحب التحفيز في الأشهر المقبلة، في المقابل، تواجه بعض البنوك المركزية الأخرى ظروفًا حميدة بما فيه الكفاية بحيث يبدو التشديد آمنًا: في النرويج، قرر البنك المركزي رفع سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة فوق مستوى الصفر الذي بلغه العام الماضي، وأشار إلى زيادة أخرى في ديسمبر.
بعد 13 عاما من الأموال السهلة، ستظل السياسة الميسرة للغاية باقية لبعض الوقت، حتى لو سار تخفيض الاحتياطي الفيدرالي كما هو مخطط له، ومع ذلك، فقد بدأت السياسات الاستثنائية لأزمة كوفيد في الانتهاء.
افتتاحية فاينانشيال تايمز