يجب أن يشعر الاحتياطي الفيدرالي بالثقة في قراره بإيقاف رفع أسعار الفائدة مؤقتًا في اجتماعه المعني بوضع السياسة الشهر الماضي.. لكنه للأسف، يبدو مستعدا لرفعها مرة أخرى.
وهذا يخاطر بتحويل الانتصار إلى هزيمة، لذا يجب أن يظل بنك الاحتياطي الفيدرالي ثابتًا ويحافظ على أسعار الفائدة حيث هي.
قد يؤدي تغير المناخ إلى درجات حرارة خانقة، لكن التضخم في الولايات المتحدة آخذ في البرودة، وارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 3% فقط في يونيو، بانخفاض حاد عن ذروة بلغت 9.1% في يونيو 2022، وتباطأ معدل زيادات أسعار المنتجين بشكل أسرع.
تباطأت الزيادات العنيفة في تكاليف المأوى والخدمات بشكل كبير، ويظهر تحليل منفصل أجراه مورجان ستانلي (NYSE:MS) للبيانات الأولية المأخوذة من عقود الإيجار الجديدة أن الإيجارات السكنية تنخفض بالفعل في بعض الحالات.
في غضون ذلك، لا يزال الاقتصاد قويا.
وبلغ معدل البطالة 3.6%، إذ جلب شهر يونيو معه 200 ألف وظيفة جديدة.
توفر هذه الاتجاهات الأمل في إمكانية خفض التضخم بشكل ملموس دون خنق الاقتصاد، طالما أن الاحتياطي الفيدرالي لا يتجاوز الحد.
على مدار الخمسة عشر شهرًا الماضية، شدد بنك الاحتياطي الفيدرالي سياسته النقدية بوتيرة مذهلة، لقد رفع الفائدة من ما يقرب من الصفر إلى نحو 5% بحلول أبريل، وانخفض المقياس الشائع لمعروض النقود، M2، بنسبة 4.6% على أساس سنوى، وهو أكبر انخفاض منذ أن بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي استهدافه رسميًا عام 1959.
ويحتاج الاقتصاد إلى وقت للتكيف مع هذه التحولات الزلزالية في الظروف النقدية، لا سيما بالنظر إلى أن الاحتياطي الفيدرالي أبقى الفائدة قريبة من الصفر لمدة 14 عامًا.
يبدو أن الاقتصاد يتكيف – حتى الآن – ولكن ثمة العديد من الأمور العالقة فمعظم الشركات والعقارات التجارية لم تختبر بعد توابع رفع الفائدة، ولكنها ستحتاج إلى إعادة التمويل خلال السنوات القليلة المقبلة.
ولا تزال الأسر تستفيد من طبقة الحماية النقدية التي تم تكوينها أثناء الوباء، لكنها ستشعر بالأثر الكامل لارتفاع تكاليف الاقتراض بمجرد اختفاء هذه الأموال، بينما لا يزال سوق العمل سليمًا، و تباطأ نمو الوظائف في القطاع الخاص بشكل ملحوظ.
فستتعرض العمالة والشركات الصغيرة لخطر خاص إذا تسببت الزيادات السريعة للأسعار في زيادة الأزمة المصرفية. وهذا بدوره يزيد الضغط على البنوك الإقليمية والمجتمعية.
أدى التركيز الأساسي للبنك الاحتياطي الفيدرالي على رفع أسعار الفائدة قصيرة الأجل، إلى “انعكاس منحنى العائد”، وهو انحراف في السوق ، إذ تكون تكاليف الاقتراض قصير الأجل أعلى في الواقع من معدلات الفائدة طويلة الأجل.
وإذا استمر هذا الأمر، فإنه يمثل تهديدًا وجوديًا للبنوك الأصغر ذات الأرباح التي تعتمد على قدرتها في استخدام الودائع قصيرة الأجل لتقديم قروض طويلة الأجل بمعدلات أعلى.
إذا قام بنك الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة مرة أخرى – كما يبدو مؤكدًا في اجتماع هذا الأسبوع للجنة السوق الفيدرالية المفتوحة المعنية بوضع السياسات – فقد يخفف التأثير من خلال رفع أسعار الفائدة على احتياطيات البنوك فقط، مع ترك السعر الذي يدفعه لصناديق أسواق المال والوسطاء الماليين غير المصرفيين حيث هو.
باستخدام الأدوات الجديدة التي سلمها إليه الكونجرس عام 2008 ، يمكن لبنك الاحتياطي الفيدرالي زيادة الفائدة التي يدفعها للبنوك على حساباتها الاحتياطية عندما يريد رفع أسعار الفائدة.
ويمنح هذا، البنوك حافزًا للاحتفاظ باحتياطياتها في “الاحتياطي الفيدرالي” ما لم تتمكن من تحقيق عائد أعلى مُعدل وفق المخاطر عن طريق إقراضها.
عام 2013، دون تفويض من الكونجرس ، أنشأ الاحتياطي الفيدرالي “تسهيلات إعادة الشراء العكسي لليلة واحدة” – وهو ما يؤدى الوظيفة نفسها، المكافئ الوظيفي لحساب الاحتياطي للوسطاء غير المصرفيين مثل صناديق سوق المال – والذي يدفع معدلات فائدة مرتفعة تقريبًا مثل تلك المدفوعة على احتياطيات البنوك. وبالمثل، يعطي هذا لغير البنوك حافزًا لإبقاء الأموال في وضع السكون في بنك الاحتياطي الفيدرالي.
في حين كان من المفترض أن يكون ذلك محدودًا ومؤقتًا ، فقد تضخمت في الواقع إلى حوالي 2 تريليون دولار، مما أسهم في عدم الاستقرار المالي عن طريق استنزاف الودائع من البنوك.
يجب أن يؤدي خفض العائد على إعادة الشراء العكسى لليلة واحدة، إلى قيام صناديق سوق المال بإعادة توزيع بعض رأس المال خارج تلك الآلية وتوجيهها إلى الاستثمارات التي تلبي احتياجات الائتمان لاقتصادنا.
وهذا من شأنه أن يكتم التأثير الانكماشي لارتفاع آخر في سعر الفائدة ، بينما يسهم في استقرار البنوك، إذ إن الكثير من رأس المال سيجد طريقه مرة أخرى إلى الودائع المصرفية.
يواجه “الاحتياطي الفيدرالي” خيارات صعبة .. لكننا نعلم أن المزيد من التشديد يزيد مخاطر الركود وعدم الاستقرار المالى، وإذا استمر في التشديد ، فيجب أن تجد طرقًا لتخفيف التأثير، تمامًا كما أخطأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في تقدير المخاطر التضخمية لسياساته المالية الفضفاضة، لا ينبغي له الآن أن يقلل من التأثير المحتمل للوتيرة المذهلة لتشديدها. الخيار الأكثر أمانًا هو الابقاء على المعدلات كما هي.
المصدر: فاينانشيال تايمز
كاتب المقال: شيلا بير