أثناء كشف شركة “شيسيدو” النقاب عن مصنعها الجديد في ميناء فوكوكا جنوبي اليابان الشهر الماضي، تباهى رئيسها التنفيذي ماساهيكو يوتاني بقوة العلامة التجارية لمنتجاتها التي “صنعت في اليابان” لعملائها في آسيا.
منذ عام 2019، أنفقت عملاق مستحضرات التجميل 145 مليار ين (أي ما يعادل مليار دولار) لبناء ثلاثة مصانع جديدة في اليابان، ما أثار جدلاً حول إذا ما كان انخفاض الين إلى أدنى مستوياته خلال 24 عاماً مقابل الدولار قد أدى إلى “إعادة عمليات التصنيع لأرض الوطن”.
لسوء الحظ، الخطوة التي أقدمت عليها “شيسيدو” لا تشير إلى عودة الصناعة اليابانية، على الأقل ليس بطريقة مجدية، فقد كان القرار الذي اتخذه يوتاني قبل فترة طويلة من تدني الين، كما أن الشركة لم تقلص أياً من طاقتها التصنيعية العالمية في سبيل زيادة إنتاجها المحلي.
ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية أن رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا وضع الأمن الاقتصادي في صلب أجندته الاقتصادية بغرض الدعوة لاستعادة الإنتاج من الخارج بنية صريحة هي تقليل اعتماد بلاده على سلاسل الإمداد الصينية.
وأشارت الصحيفة ، إلى أن ضعف الين وارتفاع تكلفة السلع المستوردة يثيران معضلة محرجة لإدارة كيشيدا، وذلك قبل موعد انتخابات مجلس الشيوخ الياباني في يوليو المقبل.
جادل مسؤولو الحكومة اليابانيون والبنك المركزي في البلاد بأن تأثير ضعف الين الياباني ما زال إيجابياً على نطاق واسع بالنسبة للدول الآسيوية الأكثر تقدماً، لكن الشركات الكبرى التي تمتلك عمليات خارجية وشبكة مورديها هم من سيجنون الفوائد الفورية من ذلك، حيث تتعزز الأرباح التي تحققها خارج البلاد بسبب انخفاض الين.
ودون زيادة تدريجية في الأجور، سيؤدي ضعف الين إلى معاناة قصيرة الأجل للأسر والشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم بسبب ارتفاع تكاليف الغذاء والطاقة والمواد والخدمات اللوجستية، وهذا ما يفسر الضجة التي أحدثها عامة الناس مؤخراً، والتي أجبرت محافظ بنك اليابان هاروهيكو كورودا على التراجع عن ادعائه بأن المستهلكين أصبحوا أكثر “تسامحاً” مع ارتفاع الأسعار.
قال 64% ممن شاركوا في استطلاع حديث أجرته وكالة أنباء كيودو إنهم لم يروا نفعاً للجهود التي بذلها كيشيدا لحل مشكلة ارتفاع الأسعار، بينما أجاب 58% بأن “كورودا، الذي يخطط للتنحي العام المقبل، لم يكن الشخص المناسب لمنصب محافظ بنك اليابان.
ومثلما كان الحال في الانتخابات الأخيرة التي جرت في أستراليا وفرنسا، ستكون تكاليف المعيشة المرتفعة هي القضية التي ستسيطر على انتخابات مجلس الشيوخ في اليابان الشهر المقبل.
بالنسبة إلى كيشيدا، فإن استجابته لارتفاع الأسعار ستكون أيضاً اختباراً لبرنامج “الرأسمالية الجديدة”، الذي تم تصميمه لمواجهة جميع التحديات التي فرضها ضعف الين.
ومنذ تعيينه خلال العام الماضي، جادل رئيس الوزراء بأن الأشكال السابقة للرأسمالية لم تكن “شاملة” بما فيه الكفاية، لأن منافعها لم تتوزع على الشريحة الأوسع من السكان.
كذلك، تشير مسودة أجندته الاقتصادية التي نشرت في بداية يونيو الحالي، يلقي كيشيدا بعضاً من اللوم على فشل الشركات في الاستثمار في موظفيها.
تظهر الأرقام الحكومية أن اليابان تنفق 0.1% فقط من ناتجها المحلي الإجمالي على الموارد البشرية للشركات، مقارنة بـ 2.1% في الولايات المتحدة و1.1% في المملكة المتحدة.
لقد مر على اليابان عقد من الزمن بعد تطبيق السياسات “الاقتصادية التي وضعت في عهد رئيس الوزراء السابق شينزو آبي” التي تميزت بتسهيل نقدي قوي وتحفيز اقتصادي وضغط حكومي على الشركات لزيادة الاستثمار، لكن هذه السياسات فشلت في تحقيق نمو أسرع في الأجور لتعزيز الاستهلاك وإيجاد دورة إيجابية من الطلب والتضخم.