فؤاد عبد الرحيم.
القاهرة، 22 ديسمبر/كانون أول (إفي): قد يرتبط عام 2011 في اذهان المصريين بمسميات كثيرة يأتي على رأسها العنف والخوف والفوضى، ولكنهم لن ينسوا يوما مكتسبات حققتها ثورتهم بعد ان اجبرت الرئيس حسني مبارك على التنحي وفتحت الطريق امام تغيير حقيقي نحو الديمقراطية وحقوق الانسان، كان للمرأة والشباب فيه دور كبير.
وكان العام قد بدأ في أول يناير/كانون ثان بعنف كاد يدمر ما بقى من العلاقة بين الاغلبية المسلمة والاقلية المسيحية، بعد تفجير بكنيسة القديسين بالاسكندرية تسبب بمقتل العشرات، تلاه مصرع الشاب سيد بلال في حادث مرتبط بقوات الامن.
ويعتقد على نطاق واسع ان تلك الحوادث كانت بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير، حيث لعبت الدور الأكبر في تهيئة الاجواء لأول ثورة شعبية من نوعها تشهدها مصر في تاريخها الحديث، والتي بدأت بدعوات للاحتجاج على مواقع التواصل الاجتماعي في 25 يناير، بالتزامن مع عيد الشرطة، ولم تنته إلا باعلان مبارك التنحي في 11 فبراير/شباط بعد ثلاثة عقود من الحكم المطلق.
ومثل انضمام مصر لـ"الربيع العربي"، بعد تونس، بداية فترة انتقالية تميزت بجدل واسع بين مختلف القوى السياسية حول متطلبات المرحلة، وعنف وعنف مضاد وتشكيك واتهامات متبادلة بمحاولة الانقضاض على الثورة ادت في نهاية العام الى حالة من الفوضى والالتباس يصعب فهمها على الكثير من المتابعين للشأن المصري.
ففي حين تميزت المرحلة الاولى من الثورة بشعار "الجيش والشعب يد واحدة"، نظرا للدعم والوعود بحماية الثورة التي اطلقها المشير حسين طنطاوي، وزير الدفاع في حكومة مبارك ورئيس المجلس العسكري الذي تولى الحكم خلال المرحلة الانتقالية، ينتهي 2011 بشعارات "يسقط المشير" و"يسقط حكم العسكر"، واتهامات بالتشكيك في مصداقية المجلس.
وبدا المجلس العسكري خلال الشهور الاخيرة في وضع المدافع عن نفسه امام اتهامات بالقمع ومحاولة الركوب على الثورة، وسط مشاهد عنف ترجمت في النهاية الى صور ومقاطع فيديو تناقلتها الصحف الالكترونية والمواقع الاجتماعية تحوي مشاهد لـ"سحل" فتيات، وضرب مبرح لمدنيين في مواجهات بين الشرطة العسكرية ومحتجين بوسط القاهرة.
وكانت حصيلة اخر تلك المواجهات مصرع نحو 17 شخصا وجرح المئات، وحرق المجمع العلمي، الذي يعود تاريخه لآكثر من 200 سنة ويحوي مئات الالاف من الكتب التراثية النادرة، من بينها النسخة الاصلية لكتاب وصف مصر الذي يعود تاريخة للحملة الفرنسية.
وجاءت مواجهات اللحظة الاخيرة على خلفية احداث دموية اخرى ظهر فيها الجيش في موقع المتهم، ابرزها مقتل عدد من الاشخاص، غالبيتهم من الاقباط، في مواجهات امام مبنى التلفزيون المصري في أكتوبر/تشرين أول، وتلتها اشتباكات مماثلة بشارع محمد محمود القريب بوسط القاهرة في نوفمبر/تشرين ثان، وسط اتهامات من قبل الجيش لمجموعات من المتظاهرين بمحاولة اقتحام وزارة الداخلية.
وكان للمرأة خلال تلك الشهور دور بارز بشكل ملفت سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو ميدان العمل السياسي المباشر أو حتى في الشارع، من خلال المشاركة المباشرة في التظاهرات، وهو ما عرض بعضهن للضرب والاحتجاز وحتى الـ"سحل" من قبل الشرطة العسكرية، ولاقي تنديد واسع النطاق في المجتمع المصري، واحتجاجات نسوية استوجبت في النهاية الإعراب عن بالغ الأسف من جانب المجلس العسكري.
وتميزت الاشهر الاخيرة من العام بكيل الاتهامات لـ"اطراف ثالثة"، أو "جهات خارجية" أو "فلول"، في اشارة لاعضاء من النظام السابق، بالوقوف وراء محاولة الوقيعة بين الجيش والشعب و"إسقاط الدولة"، كما جاء على لسان المجلس العسكري وكمال الجنزوري، رئيس الحكومة المؤقتة، وكذلك على لسان بعض النشطاء السياسيين.
ورغم عدم وضوح الرؤية بالنسبة لتلك الجهات، نظرا لعدم انتهاء التحقيقات التي تم تحويلها للنيابة العامة، إلا ان الغالبية اتفقت على الاقل على ضلوع "عناصر من البلطجية" تحركها ايضا اياد غير معروفة حتى الآن، في عمليات التخريب والاعتداء على قوات الامن، وربما قتل الثوار بهدف الوقيعة بين الجيش والشعب.
ولم تكن وسائل الاعلام الخاصة أو المستقلة بمنأى عن الجدل الواسع حول كل ما يحيط بالمرحلة الانتقالية، بل ونال بعضها نصيب غير قليل من الاتهامات بالتواطؤ أو بالمحاباة، خاصة للتيار الليبرالي، وائتلافات شباب الثورة، التي بدا مع مرور الوقت وكأنها تفقد الشعبية التي حصدتها قبل وخلال انتفاضة يناير، وهو ما ترجم في صورة هزيمة غير متوقعة لرموزها في الانتخابات التشريعية، لصالح التيار الاسلامي.
ويرجع المراقبون هزيمة التيارات العلمانية الى بعض التناقضات التي سادت المرحلة الانتقالية، ففي حين انقسم "شباب الثورة" الى عشرات الائتلافات والجماعات السياسية بعد تنحي مبارك، مراهنة على شعارات البقاء في الميدان واستمرار الثورة، بقيت غالبية الاحزاب اليبرالية التقليدية بعيدة عن المواطن العادي، دون تنظيم وفهم جيد لواقع ومتطلبات المرحلة، وهو ما حدث في بلدان اخرى مثل تونس.
في المقابل، استثمر التيار الاسلامي بشقيه المعتدل والمتشدد في قربه من المواطن العادي خلال العقود السابقة، وأظهر خبرة سياسية وتنظيما أفضل مما أظهره منافسوه، مركزا على استعداده لاقامة تحالفات مع تيارات يسارية وعدم نيته اقامة دولة دينية على غرار إيران، في محاولة لطمأنة "الغالبية الصامتة" من الناخبين.
وانعكس حال الفترة الانتقالية على المرحلتين الاولى والثانية للانتخابات العامة، والذي اظهرت نتائجها صعودا لافتا لـ"حزب التنمية والعدالة"، الذراع السياسي لحركة الاخوان المسلمين المعتدلة، و"حزب النور" ذي التوجهات السلفية، واللذين قررا الانسحاب من ميدان التظاهرات بعد تأكد فوزهما.
وبين جدل واختلافات وتناقضات واتهامات، ينتهي 2011 وسط دعوات جديدة شبابية وليبرالية ويسارية بالتظاهر والاحتجاج، من بينها مطالبات صريحة "باسقاط الجيش"، واتهامات مقابلة من قبل "مصادر رسمية" بوجود مؤامرات ومخططات لـ"حرق القاهرة" و"اسقاط الدولة" خلال الاحتفال بالذكرى الاولى للثورة، في حين تبقى في مرتبة تالية نداءات اخرى بالتهدئة والحوار لـ"إعادة الامن وانقاذ الاقتصاد". (إفي).