Investing.com - كشفت شركة "فيتش سوليوشنز"، التابعة لمؤسسة "فيتش" للتصنيف الائتماني، أن صندوق النقد الدولي قد يُبدي مرونة في المفاوضات مع مصر بخصوص تعديل برنامج التمويل الحالي، مع احتمال موافقته على تأجيل رفع أسعار السلع المُدارة وإبطاء وتيرة برنامج الخصخصة.
وفي هذا السياق، تجري مصر حالياً دراسة شاملة لتقييم تأثير الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية على سكانها، وتعمل بالتعاون مع صندوق النقد لحماية الفئات الأكثر ضعفاً، بحسب تصريحات المدير الإقليمي للصندوق، جهاد أزعور.
تأتي زيارة المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، إلى القاهرة في أوائل نوفمبر ضمن الجهود الرامية لمناقشة جاهزية برامج الحماية الاجتماعية في مصر. وتسعى مصر لمراجعة الأهداف والجداول الزمنية المتعلقة باتفاق قرض صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات دولار في ظل التحديات الإقليمية الراهنة.
وأفاد أزعور بأن البيانات الجديدة ستُظهر مدى تأثير ارتفاع الأسعار وتخفيض قيمة العملة على الإنفاق الأسري، مما سيساعد الصندوق والحكومة في تحسين فعالية البرامج الاجتماعية في مصر.
استمرار التزام مصر بالاتفاق رغم الدعوة لمراجعته
فيما دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الحكومة لإعادة النظر في اتفاقية مصر مع صندوق النقد الدولي، إلا أن "فيتش سوليوشنز" ترى أن مصر لا تعتزم إلغاء الاتفاقية، والتي تُعتبر ضرورية لتعزيز ثقة المستثمرين وجذب التمويل الخارجي. مع ذلك، أكدت الشركة أن نجاح إعادة التفاوض ليس مؤكدًا، إذ يظل الصندوق متخوفًا من التزام مصر برفع الأسعار المُدارة وإزالة الدعم.
وأوضحت "فيتش سوليوشنز" أن أسعار الوقود في مصر أقل بكثير من الأسعار العالمية، وأن مراجعة الأسعار التالية ستكون بعد ستة أشهر وليس خلال الربع القادم، مما يجعل من الصعب تحقيق هدف إلغاء الدعم بحلول نهاية عام 2025. وأشارت الشركة إلى أن الوصول إلى هذا الهدف يستدعي زيادات كبيرة في الأسعار، وهو ما قد يستدعي تمديد الجدول الزمني للبرنامج.
مصر، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 106 ملايين نسمة، اتفقت في مارس الماضي على تعزيز اتفاق القرض مع صندوق النقد الدولي، كجزء من خطط إنقاذ عالمية لدعم الاقتصاد الذي يعاني من نقص حاد في النقد الأجنبي منذ أوائل عام 2022.
وقد فرضت الحكومة تخفيضات كبيرة في دعم الوقود والخبز والكهرباء، مما أثر بشكل أكبر على المستهلكين. وأشار الرئيس عبد الفتاح السيسي في 20 أكتوبر إلى تنفيذ الاتفاق مع صندوق النقد في ظروف إقليمية واقتصادية صعبة، مثل الصراعات المستمرة في المنطقة، مشدداً على ضرورة مراجعة الاتفاق إذا ازدادت الضغوط المالية على المواطنين.
تصريحات الرئيس السيسي ودلالتها على دعم المواطنين
أشارت الشركة إلى أن تصريحات الرئيس السيسي تهدف إلى طمأنة المواطنين وإبراز وقوف القيادة بجانبهم، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية. كما لاحظت الشركة انخفاض مؤشر المخاطر الاجتماعية بالتزامن مع تراجع التضخم، إلا أن المؤشر عاد للارتفاع مؤخرًا مع زيادة تكاليف المعيشة.
ترى "فيتش سوليوشنز" أن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي يُعد أساسيًا في توجيه السياسات الاقتصادية وتعزيز التدفقات المالية الأخرى. وأشارت إلى أن خروج مصر من البرنامج يعني التخلي عن التمويل المتبقي بقيمة 6 مليارات دولار، إضافة إلى مليار دولار من آلية الصمود والاستدامة، فضلاً عن 14 مليار دولار من الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي المرتبطة بالبرنامج.
نوهت الشركة بأن تحسن الاحتياطي النقدي المصري قد يدفع صندوق النقد للتساهل مع بعض أهداف البرنامج، مما يوفر مزيدًا من الوقت للتنفيذ. كما أشارت إلى أن الأسواق المالية تتماشى مع هذا التوقع، حيث شهدت العقود الآجلة للعملة تراجعًا محدودًا وارتفاعًا طفيفًا في عوائد السندات.
فيما أكد صندوق النقد الدولي استعداده لتعديل برنامج القرض مع مصر دون تغيير قيمته الأساسية. كما دعا الصندوق إلى مواصلة الإصلاحات في العملة، بعد أن خفضت السلطات قيمة الجنيه المصري بنحو 40% في مارس. وصرح أزعور قائلاً: "نحث السلطات على الحفاظ على مرونة العملة"، مضيفاً أن فريق الصندوق سيقيّم الوضع خلال المراجعة القادمة للبرنامج.
وأشار أزعور إلى التحديات التي يفرضها عدم اليقين الإقليمي على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، مؤكداً أهمية زيادة تدفق الاستثمارات إلى مصر في هذا الوقت.
تأثير التوترات الإقليمية على الاقتصاد المصري
لفتت "فيتش سوليوشنز" إلى تأثير التوترات الإقليمية، حيث أدت عمليات الحوثيين في البحر الأحمر منذ ديسمبر 2023 إلى خفض حركة المرور في قناة السويس بأكثر من النصف، مما تسبب في خسارة حوالي 400 مليون دولار شهريًا من الإيرادات. كما أوضحت أن قطاع السياحة والاستثمارات الأجنبية يواجهان تحديات نتيجة التوترات الجيوسياسية.
تتوقع الشركة أن تُركز المفاوضات مع صندوق النقد على تمديد الجدول الزمني لرفع الأسعار المُدارة، بما في ذلك أسعار الوقود والكهرباء، وربما تأجيل بيع الكيانات المملوكة للدولة.
في إطار الاتفاق مع صندوق النقد، تعهدت مصر ببيع أكثر من 24 أصلاً مملوكاً للدولة لتقليل الدور الكبير للقطاع العام في الاقتصاد وتعزيز تدفقات الاستثمار الأجنبي. ورغم عدم الإعلان عن بيع أصول كبيرة حتى الآن، تعمل مصر على تحقيق هذا الهدف ضمن الخطة الموضوعة.