Investing.com - ارتفع الدولار الأمريكي إلى أعلى مستوى له منذ يوليو الماضي بعد إعادة انتخاب دونالد ترامب، حيث من المتوقع أن تدعم فلسفته "أمريكا أولاً" الدولار الأمريكي. لكن الاتجاه نحو تقليل الاعتماد على الدولار من قبل البلدان غير الغربية مستمر، مع قيادة الصين لهذه الحملة.
إصدار الصين لسندات دولارية في السعودية
وفقًا لبيان أصدرته وزارة المالية الصينية، فإنها تخطط لبيع سندات دولارية بقيمة 2 مليار دولار في السعودية الأسبوع المقبل، بمجرد حصولها على موافقة مجلس الدولة.
وجاء في الترجمة للبيان: "بموافقة مجلس الدولة، ستصدر وزارة المالية السندات السيادية بالدولار الأمريكي في الرياض في الأسبوع الذي يبدأ في 11 نوفمبر 2024، على أن لا يتجاوز المبلغ 2 مليار دولار أمريكي." وأوضح البيان أن "ترتيبات الإصدار المحددة سيتم الإعلان عنها بشكل منفصل قبل الإصدار."
وتجدر الإشارة إلى أن آخر مرة باعت فيها الصين سندات دولارية كانت في أكتوبر 2021.
يمثل هذا التوجه تغييرًا ملحوظًا في الوضع الراهن، حيث مر ثلاث سنوات منذ آخر مرة أصدرت فيها الصين سندات دولارية في السعودية. ومن المتوقع أن يساعد هذا التحرك الحكومة الصينية في فتح قطاعها المالي أمام المستثمرين العالميين.
تعزيز العلاقة بين الصين والسعودية
يبرز هذا التحرك تعزيز العلاقة بين الصين والسعودية، حيث قال المحللون إن اختيار السعودية كدولة مفضلة من الصين لإصدار السندات الدولارية يبرز التزام الطرفين بتعزيز التحالفات الثنائية.
في وقت سابق، قال الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، إنه يرحب بالاستثمارات الصينية التي تدعم رؤية السعودية 2030، مما يساهم في تقليل اعتماد المملكة على إيرادات النفط. كما يرى أن التعاون مع الصين يعزز مكانة السعودية على الساحة العالمية.
يعد هذا الإصدار من السندات جزءاً من مساعي الصين لتعزيز علاقاتها مع المملكة في مجالي الاقتصاد وأسواق المال. حيث نمت الاستثمارات المتبادلة بين البلدين منذ زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الرياض في عام 2022، إذ ضاعفت أكبر شركة لصناعة الصلب في الصين استثماراتها في السعودية، فيما استحوذ صندوق الثروة السيادي السعودي على حصص في شركات صينية من بينها مجموعة "لينوفو".
لقاءات سعودية-صينية تعزز التعاون في عدة مجالات
في اجتماع رفيع المستوى للجنة السعودية-الصينية في سبتمبر، الذي ترأسه ولي العهد السعودية ورئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ، تركزت المناقشات على الاستثمار والطاقة والتجارة والأمن، ووضعوا الأساس لتعزيز التعاون بين القطاعات المختلفة.
كما التقى وزير السياحة السعودي، أحمد الخطيب، مع مسؤولين صينيين في أكتوبر لمناقشة توسيع السياحة في المملكة.
وفقًا لوو بنغ، الباحث في أكاديمية العلوم الاجتماعية في بكين، يمكن أن يساعد الإصدار الجديد في تعزيز الثقة في الاقتصاد الصيني والائتمان السيادي للصين بين الأسواق الخارجية، بينما يوفر طريقة جديدة للحكومة الصينية لجمع الأموال.
قال بنغ لصحيفة "غلوبال تايمز" إن الدولار الأمريكي "لا يزال عملة احتياطية دولية قوية، وإصدار سندات بالدولار يمكن أن يجذب المزيد من المستثمرين الدوليين ويقلل من تكاليف التمويل، بينما سيوفر للحكومة الصينية طريقة جديدة ومنخفضة التكلفة نسبيًا لجمع الأموال."
وأضاف أن إصدار السندات "سيعزز انفتاح القطاع المالي الصيني أمام المستثمرين العالميين لفهم البلاد بشكل أفضل والاستثمار فيها. كما سيسهم في تحسين جمع بيانات الائتمان السيادي وتطوير نظام تصنيف الائتمان السيادي في الصين."
فيما يعتقد لين سونغ، كبير الاقتصاديين المعني بمنطقة الصين الكبرى لدى "آي إن جي بنك"، أن "هذه الخطوة تحمل أهمية رمزية إلى حد كبير، وتهدف إلى تعزيز التعاون بين الصين والسعودية في قطاع الخدمات المالية". وأضاف أن التمويل الأقل تكلفة باليوان قد يحد من دوافع الحكومة الصينية لجمع تمويل كبير الحجم بالدولار.
تعزيز التعاون المالي بين الصين والسعودية
مع بيع سندات تصل قيمتها إلى 2 مليار دولار في الرياض، يتوقع وونغ أن يشهد التعاون المالي بين الصين والسعودية، وكذلك بين الصين ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، مزيدًا من التقوية.
دليل آخر على تعميق العلاقة بين البلدين جاء في 30 أكتوبر، عندما تم إدراج أول صندوق تداول سعودي يتتبع الأسهم في هونغ كونغ في سوق الأسهم السعودية بالرياض.
وفقًا لبنغ، هناك العديد من القطاعات التي يمكن التعاون فيها مثل المبادلات المالية للعملات وتسوياتها، وتوسيع فتح الأسواق المالية، وتنظيم الشؤون المالية، والتمويل الأخضر.
تنوع الاستثمارات وتقليل الاعتماد على الدولار
وقال دونغ شاو بنغ، الباحث في معهد تشونغ يانغ للدراسات المالية بجامعة الشعب الصينية: "إصدار السندات السيادية الخارجية يعد خيارًا مهمًا للصين لتنويع الطرق التي تستخدمها لجذب الاستثمارات، ويظهر أن الأسواق الخارجية تعترف كثيرًا باقتصاد البلاد وأصولها."
ووفقًا لطلال حافظ، الخبير الاقتصادي المقيم في السعودية، فإن إصدار السندات سيساهم في تعزيز السوق المالية السعودية، كما أن برنامج التطوير المالي سيلعب دورًا رئيسيًا في إعادة هيكلة القطاع المالي للمملكة.
وأضاف حافظ: "الإصدار جزء من جهود الصين لتعزيز العلاقة بين البلدين الصديقين، التي تشهد تحسنًا كبيرًا في عدة مجالات."
أما زيرلينا زينغ، رئيسة أبحاث الشركات في شرق آسيا لدى "كريدت سايتس سنغافورة" فقد أشارت إلى أن الصين تطرق باب سوق السندات الدولارية مجدداً العام المقبل لإعادة تمويل استحقاقات دين يحل أجلها، إذ يُحتمل أن تتجه تكاليف الاقتراض بالدولار للانخفاض مع دورة التيسير النقدي التي يتبعها مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.
وأضافت زينغ أن الصين قد "تواصل تنويع مصادر تمويل ديونها الخارجية عبر العملات الرئيسية الأخرى لدول مجموعة العشر أو الأسواق الناشئة أو حتى عبر اليوان الخارجي، في إطار تقليل اعتماد تمويلها على الدولار".