انتهي الجزء الأول من المرحلة الأولى لاتفاقية التجارة الموقعة بين الولايات المتحدة والصين لمدة عامين في 31 ديسمبر الماضي، وأصبح العداء المتبادل بين البلدين أشرس من أي وقت مضى.
كذلك، ثمة قانون أمريكي جديد يحظر السلع المصنوعة من العمل القسري في شينجيانج، وهذه هي أحدث نقطة خلاف تشتعل بين البلدين.
مع ذلك، حان الوقت لتقييم النتائج الاقتصادية للحرب التجارية الأمريكية، ليُكتشف أن هناك إخفاقات من كلا الطرفين، مع وجود استثناء واحد هام، حسبما ذكرت مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية.
لنبدأ بالفشل الأكثر وضوحاً، وهو عدم شراء الصين مزيدا من السلع الأمريكية، فكجزء من صفقة المرحلة الأولى الموقعة في 15 يناير 2020، وعدت الصين برفع معدلات الاستيراد من الولايات المتحدة عبر شراء 200 مليار دولار إضافية من السلع والخدمات في عامي 2020 و 2021، مقارنة بمستويات عام 2017.
وبعد أن اشتكت فترة طويلة من تلاعب الصين باقتصادها، قررت الولايات المتحدة التلاعب بالتدفقات التجارية، لكن اتضح أن المسؤولين الصينيين كان يفتقرون إلى الرغبة أو القدرة على شراء مزيد من السلع الأمريكية.
ولم تصل الصين حتى إلى عُشر هدف شرائها للسلع، بحسب البيانات التي جمعتها تشاد باون من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي.
على نطاق أوسع، أظهرت مجموعة متنامية من الأبحاث أن الحرب التجارية أضرت بالاقتصادين الصيني والأمريكي، إذ بدأت القوتان العظيمتان بفرض تعريفات جمركية على بعضهما البعض في أوائل عام 2018، مما أتاح للاقتصاديين مواجهة عامين كاملين من الأزمات قبل الجائحة.
خلال ذلك الوقت، ارتفع متوسط التعريفات الجمركية الأمريكية على الواردات الصينية من 3% إلى 19%، في حين ارتفع متوسط التعريفات الجمركية الصينية على الواردات الأمريكية من 8% إلى 21%.
من الصعب المبالغة في تقدير حجم الصدمة التي لحقت بأكبر علاقة تجارية ثنائية في العالم.
ويشير كل من بابلو فاجيلباوم من جامعة برينستون، وأميت خاندلوال من جامعة كولومبيا، إلى أن التعريفات الجمركية طُبقت على مزيد من التجارة كحصة من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، وذلك عكس قانون تعريفات سموت هولي سئ السمعة لعام 1930، الذي أدى إلى دوامة من الانتقام الدولي وربما تفاقم الكساد، ومن حسن الحظ أن الحرب التجارية الصينية الأمريكية لم تسفر عن مثل هذه الكارثة.
كان هناك افتراض شائع في بداية الحرب التجارية وهو أن كلا الجانبين سيتحملان تكاليف التعريفات، إذ كان من المفترض أن يتقاضى الموردون الصينيون رسوماً أقل قليلاً مقابل سلعهم، في حين سيدفع المستوردون الأمريكيون أكثر قليلاً.
ومع ذلك، وجدت دراسة مبكرة أجراها خبراء الاقتصاد، بمن فيهم جيتا جوبيناث التي تعمل الآن في صندوق النقد الدولي، أن المستوردين الأمريكيين تحملوا في الواقع أكثر من 90% من تكلفة الرسوم الجمركية الأمريكية.
كان التفسير الواضح هو أنه لم يكن لديهم خيار سوى الاعتماد على الموردين الصينيين، على الأقل على المدى القصير، ولا يمكنهم التفاوض على أسعار أقل، وبالإضافة إلى ذلك بالكاد تزحزحت الأسعار للمستهلكين، مما يشير إلى أن تجار التجزئة استوعبوا التكاليف من خلال أرباح أقل.
كان أحد الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة إلى فرض الرسوم الجمركية هو تشجيع الشركات المصنعة على الانتقال إليها، لكن الخلافات التجارية تسببت في إعاقة الاستثمار التجاري في الولايات المتحدة، بحسب بحث أجرته ماري أميتي، من بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك وغيرها من الاقتصاديين.
وكان أداء أسعار أسهم الشركات المتداولة مع الصين سيئاً بشكل خاص بعد إعلانات التعريفة الجمركية، وعكس ذلك عوائد أقل على رأس المال، وبالتالي ضعف حوافز الاستثمار.
ومن المتوقع أن يكون نمو الاستثمار السنوي للشركات الأمريكية المدرجة تقلص 1.9% بحلول نهاية عام 2020، ويقدر آرون فلاين وجوستين بيرس من “الاحتياطي الفيدرالي” أن التعرض لارتفاع التعريفات الجمركية كان مرتبطاً بانخفاض توظيف العمالة في قطاع التصنيع الأمريكي بنسبة 1.4%.
كما أن عبء ارتفاع تكاليف الاستيراد والرسوم الانتقامية فاق فوائد الحماية من المنافسة الأجنبية.
حتى الآن، قد تبدو كل هذه الأمور وكأنها انتصار للصين .. لكن الصحف الحديثة تظهر أن الصين تلقت بعض الضربات.
وبسبب الافتقار إلى البيانات الصينية الرسمية الدقيقة، قدر دافين تشور من كلية تاك للأعمال، ولي بينججينج من جامعة هونج كونج، أن التعريفات الجمركية تسببت في انكماش الناتج المحلي الإجمالي للفرد بنسبة 2.5%.
مع ذلك، كانت الحرب التجارية بناءة من ناحية واحدة، وهي أن الواردات الأمريكية من الصين أصبحت أقل جزئياً مما كانت عليه قبل تطبيق التعريفات، لكن تضاعفت وارداتها من فيتنام، وارتفعت وارداتها من المكسيك بنسبة 20%.
وربما يكون هذا دليلاً على تحول التجارة من المنتجين الأكثر كفاءة في الصين إلى منتجين أقل كفاءة إلى حد ما .. لكن الأمر يبدو معقولاً من حيث استراتيجية العمل.
ثمة درس مستفاد من أزمات سلسلة الإمداد العام الماضي وهو خطر الاعتماد المفرط على مصدر واحد، وبالتالي يمكن للشركات الأمريكية توجيه الشكر إلى الحرب التجارية لأنها بدأت في عمل فوضوي متمثل في إعادة التفكير في سلاسل الإمداد الخاصة بهم.
ختاماً، يشير مسار العلاقات الصينية الأمريكية إلى أن لديهم كل الأسباب لتسريع التحول.