من جورج جحا
بيروت (رويترز) - تقدم الكاتبة البحرينية منيرة سوار في روايتها (جارية) أشخاصا كل منهم منهمك في رسم مصيره بالصورة التي يتمناها أو بالتعويض عما ينقصه.
ومستقبل هؤلاء الأشخاص في تعاملهم مع الحياة بحلوها ومرها ومع كل ما يتمنونه أو يخشونه ويسعون إلى الهرب منه يتشكل في نهاية الأمر في نوعين هما: المصائر التي نستطيع التأثير فيها إيجابا أو سلبا .. والأقدار الثابتة التي لا تغيرها جهودنا ورغباتنا وصلواتنا.
نتذكر هنا قول عمر الخيام إن كل ذكائنا وكل صلواتنا لا تستطيع أن تمحو نصف سطر مما يكتبه الإصبع المتحرك.
بالنسبة للنوع الأول تنجح شخصيات في رواية (جارية) في تحسين أوضاعها المالية والاجتماعية وتحقيق تقدم في مجالات العمل وأنماط الحياة والانتقال من مستوى اجتماعي معين إلى مستوى أعلى منه.
ومع ذلك فهناك شخصيات في الرواية مثل (سعاد) ترفض الانتقال إلى وضع يسمى أفضل إذا لم ينسجم ذلك مع معتقداتها ونظرتها إلى نفسها. وهي في النهاية تقبل نفسها كما هي دون أي عقد ظاهرة.
وفي النوع الثاني يصارع الإنسان ما يبدو له قدرا أكبر منه لا يمكن تغييره ولم يكن له يد في صنعه. وفي هذا الشعور شقاء وعجز وشكوى مما تسميه هذه الشخصيات ظلما.
وأخيرا فإن بعض هذه الشخصيات مثل بطلة القصة (جوري) أو جارية كما هو اسمها أصلا قد ينتهي إلى مهادنةالحياة وقبول الذات والسعي إلى السعادة وقد تنجح في ذلك.
جاءت رواية منيرة سوار في 183 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن دار الآداب في بيروت وهي من الأعمال التي أنجزت في نطاق مشروع (محترف نجوى بركات) لكتابة الرواية لعام 2013 -2014 والذي أقيم بالتعاون مع وزارة الثقافة في مملكة البحرين.
وجارية التي حولت اسمها إلى (جوري) سعيا إلى تغيير بعض ما كتب لها فتاة معاصرة ناجحة أسست صالونا نسائيا راقيا للشعر والتجميل اكتسب صيتا كبيرا.
إنها تعيش مع أمها وجدها وببغاء تصر على مناداة البطلة باسم جارية. تسعى جوري إلى إطلاق سراح الببغاء لكن هذه تصر على البقاء في الأسر. قال لها جدها إن الببغاء بعد أن قص جناحها لن تحاول الطيران وسترضى بمصيرها إلا أن هذه الفلسفة لم تقنع جوري. مشكلة هذه البطلة الأساسية هي أنها سوداء اللون أفريقية الأصل في عالم لا ينتمي إلى لونها وعرقها. عبيد ابن خالتها وهو أسود ناجح أحبها وعرض عليها الزواج وهي تكره ذلك لأنها تعتقد أنه يضعها في منزلة دونية.
تعلق قلبها بهيثم زميلها اللبناني في الصالون ونائبها في العمل. كانت تحب لونه الأبيض ووسامته المميزة ورائحته العطرة. كانوا أربعة في الصالون هي وهيثم وسعاد وسلمى. سعاد حسناء لكن حريقا شوه قسما من صدغها وعنقها فقررت السفر لإجراء عملية تجميل. كان الشبان يبتعدون عنها بسبب هذا التشوه. حتى إبراهيم الذي أحبها وأحبته ما لبث أن تخلى عنها إرضاء لأهله. عاد إبراهيم يعتذر منها بعد قرارها إجراء العملية إلا أنها رفضت الرجوع إليه وقررت عدم إجراء العملية والإبقاء على شخصيتها كما هي.
تكتشف جارية أن عدم إقدام هيثم على إعلان حبه لها رغم العلاقة العميقة بينهما ناتح عن كونه مثليا. ولما انكشفت قصته لم يعد ذلك الفنان المميز في عمله وما لبث أن ترك العمل في الصالون.
بعد إصرار وتحقيق طويلين اعترفت لها أمها أن أباها رجل أبيض من عائلة كبرى في البلد وهو ابن العم سلمان الرجل الذي كان جدها يجله ويحترمه. اكتشفت أنها في طفولتها وضعت مدة في دار للأولاد غير الشرعيين وأن العم سلمان عوض على جدها ببيت جيد ومرتب حسن طوال العمر.
كان ابن خالتها صديقها وسندها في هذه الآلام الصعبة. رافقها في سيارتها إلى متجر والدها بعد أن أخبرت عنه. ادعت أنها زبونة تريد أن تشتري بعض المجوهرات لكنها لما سمعته يخاطب زوجته بالتليفون بوحشية وقلة ذوق وإحساس تركت المتجر وهي تتذكر كلام جدها يقول لها "وما حاجتك إلى معرفة أبيك طالما أنا وأمك نحبك؟"
خرجت من المتجر إلى من كان ينتظرها.. أي إلى عبيد ابن خالتها الذي يحبها والذي صارت تحبه الآن.
في المنزل أبلغتها والدتها أن (بيبي) الببغاء طارت وغادرت المنزل. أدركت جاربة أن الببغاء فعلت ذلك "عندما حان وقتها" وأن هناك وقتا يحين لكل الأمور. إنها سعيدة الآن مثل بيبي.