سليمان الأسعد.
الرياض، 2 مايو/أيار (إفي): يتأهب شاب في مقتبل العمر للسفر مسافة 500 كلم من الرياض إلى المنامة، عاصمة البحرين، ليدخل -للمرة الأولى في حياته- صالة السينما لمشاهدة فيلم.
والمنامة هي أقرب مدينة تضم صالات سينما بالنسبة للقاطنين في العاصمة السعودية التي تحظر إنشاء صالات للعرض السينمائي على أراضي المملكة كلها.
هذا هو ما اقتنصه المخرج السعودي الشاب عبد الله العياف ليحكي في فيلم وثائقي معاناة هذا الشاب متتبعا تفاصيل رحلته، وهي معاناة الشباب السعوديين عموما.
وفجّر هذا الفيلم حين أنتج عام 2006 تحت عنوان (السينما 500كم)، عاصفة من الجدل بين التيار المحافظ والليبراليين الذي يسعون إلى انتزاع موافقة السلطات التي تميل إلى رأيهم وتسمح ببعض العروض بين فترة وأخرى، لولا أن المتشددين يفسدونها في كل مرة.
ويقول المخرج والناقد السينمائي فهد الأسطاء، في حديثه لوكالة (إفي) "المشكلة أن هؤلاء المتشددين لا يتوقفون عند الجدل الفكري، ففي العام 2009، سمحت السلطات السعودية بعرض فيلم سينمائي سعودي عنوانه (مناحي) في مدينتي جدة والرياض، لكن بعض المتشددين اقتحموا مركز الملك فهد الثقافي بالرياض، حيث كان يعرض الفيلم، وحاولوا الاعتراض عليه وطلبوا حضور الممثل الرئيسي ليسلموه رسالة احتجاج".
وهذه الحادثة دفعت مجموعة من الشباب السعوديين إلى إطلاق حملة "نبّي سينما"، وكلمة "نبي" تعني "نريد" بالفصحى، ووجه القائمون على الحملة دعوات مطبوعة لحضور فيلم "مناحي" وزعوها عشوائيا بين أهالي المدينة.
ويقول الأسطاء إن حادثة اقتحام العروض تتكرر في كل مرة يحاول فيها ناد أدبي أو مركز ثقافي أن يعرض فيلما سينمائيا.
ويروي "حدث مرة أن النادي الأدبي في المنطقة الشرقية أعلن عن عرض فيلم للمخرجة الإيرانية سميرة مخملباف بعنوان (الساعة الخامسة عصرا)، لكن الحضور المكثف للمتشددين أفزع إدارة النادي فعرضوا فيلما وثائقيا عن (حياة البطريق)، وتحولت الحادثة إلى نكتة بين الناس".
وبسبب هذه المعوقات، قرر محبو السينما في مدينة جدة أن ينظموا مهرجان (الفيلم السعودي) على التلفزيون فقط، وتبنت الفكرة قناة "روتانا أفلام" التي ستعرض جميع الأفلام على شاشتها وتستضيف محللين للحديث عنها.
وستعتمد القناة تصويت المشاهدين لاختيار الفائزين في فئات: أفضل فيلم روائي طويل، وأفضل فيلم روائي قصير، وأفضل فيلم وثائقي، وأفضل فيلم تحريك، وأفضل ممثل، وأفضل ممثلة، وأفضل مونتاج، وأفضل تصوير، وأفضل سيناريو، وأفضل مؤثرات صوتية، وأفضل إخراج، وجائزة لجنة التحكيم، وجائزة الجمهور.
وقال ممدوح سالم، مدير المهرجان، لصحيفة "الحياة" السعودية إن فكرة المهرجان غير مطروقة، وهي الأولى في العالم، مشيرا إلى أن عدد الأفلام المشاركة بلغ نحو 100 فيلم سعودي توزعت بين خمسة أفلام طويلة، و70 فيلما قصيرا، إضافة إلى 19 فيلما تسجيليا، وثمانية أفلام كرتونية.
ومن المنتظر أن يبدأ عرض الأفلام على القناة في الخامس من شهر مايو/أيار الحالي، على أن ينتهي في العاشر منه، وستوزع الجوائز في مدينة جدة، كما أوضح سالم.
السعودية لم تكن على هذه الحال في السبعينيات، كما يقول الناقد السينمائي خالد ربيع السيد الذي كان يحضر بنفسه وهو طفل عروضا سينمائية في مدينة الطائف، غربي البلاد.
ويقول "كانت صالات بدائية، فهي عبارة عن فناء منزل تصف فيه الكراسي أمام شاشة للعرض، ويحضرها الأطفال والكبار".
وكان تعامل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "تعاملا حضاريا"، على حد قوله "إذ كان دورهم يقتصر على التأكد من خلو الأفلام من المشاهد الإباحية، أما السينما نفسها فلم يعترضوا عليها".
ويقول السيد الذي سطّر تجربته في كتاب بعنوان (الفانوس السحري) ليؤرخ للسينما السعودية: "إن الحال تغير مع انطلاق ما يسمى (الصحوة) بداية الثمنانينيات، والتي أدت إلى حدوث تغيرات هائلة في المجتمع السعودي وانتشار موجة من التدين اكتسحت كل مظاهر الحياة".
وفي حديثه لوكالة (إفي) يبرر الشيخ محمد النجيمي، أحد أبرز علماء الدين السعوديين، مسألة منع افتتاح الصالات في السعودية بأن هذه البلاد لها "خصوصية" ولا تقارن بغيرها: "فهي بلاد الحرمين الشريفين التي يحج إليها الناس من كل أصقاع الأرض، وفيها قبلة المسلمين، ولا يليق بها أن تضم في شوارع مدنها صالات سينما".
ولا يرى النجيمي مانعا في أن يحضر الناس السينما خارج السعودية، وفق الضوابط الشرعية، وهي كما يراها: "دون اختلاط بين الجنسين، وأن يكون الفيلم نفسه هادفا، وأن تكون الممثلات في الفيلم محجبات".
وينتقد النجيمي السينما العربية نفسها: "فهي سينما هازلة ولا تقدم شيئا ذا قيمة لخدمة القضايا الدينية والوطنية". (إفي)